رسالة إلى وزير التعليم الجديد !! مرحباً بك في ( ..الدّوَّامة.. )

منذ مقاومة تدريس البنات في مدارس نظامية من قبل رجال الدين .. عفواً .. أقصد من قبل من يعتقدون أنهم وحدهم رجال الدين.. مروراً بمجاملة ( المشائخ ) وإسكاتهم بجزرة الإشراف على تعليم الإناث .. وتعريجاً على الاتهامات والتهديدات التي طالت ( محمد الرشيد ) رحمه الله بسبب موضوع الدمج .. وإشارة إلى ( غزوة اليمامة المباركة ) .. أعني كلية اليمامة آنذاك .. الجامعة حالياً .. وانتهاءً ( بتدييث ) من يسمحون بالابتعاث لبناتهم ..
فإنني أتوقع .. والله أعلم .. أن القوم أخذوا وضعية الاستعداد .. وبدأوا من الآن حفر الخنادق وبناء السدود والقلاع ووضع المتاريس ليتحصّنوا خلفها .. وأخذوا بجمع الأقلام والحناجر والمكرفونات لتكون ذخيرة جاهزة لشنّ الهجوم ضد أي تغيير محتمل .. خاصة فيما يتعلق بما يرونه .. هم وحدهم أيضاً .. من ثوابت الدين .. حيث إن ثوابت الدين لديهم يختلف عددها بعدد شعر رؤوسهم .. ويختلف تفسيرها بحسب أمزجتهم .. وتختلف حدّة أهميتها باختلاف قربها أو بعدها عن مصالحهم الشخصية الدنيوية البحتة .. فمثلاً .. لا تستغرب أبداً أن يكون رأياً فقهياً في مسألة خلافية ثانوية من ثوابت الدين عندهم .. ولتقريب الصورة أكثر .. فإن بائع المسواك سيعمل جاهداً ليكون المسواك من ثوابت الدين ويحارب كل أنواع فُرَش الأسنان .. وقس على ذلك .. ولا تستغرب ! .. لأنك إن استغربت فقد أنكرت كل المشاهد السابقة التي مرّت في مسرحية تعليم المرأة ..
وعلى ( طاري ) المسرحية .. وبالعودة إلى ( وسطي من غير وسطية ) .. وبالنظر إلى اختفاء المسرح من مدارسنا وجامعاتنا .. فإنني أود ّالإشارة إلى اختفاء النصّ أيضاً واختفاء الممثلين وتبدّل المشهد .. وانتقال الأمر برمّته إلى برنامج واقعي .. الجميع أبطاله .. نصّه الارتجال .. وخشبته الشارع ..
المشهد فوضى عارمة .. والتناقض وصل ( الرُّكَب ) .. وأنواع وألوان وأحجام الأقنعة ازدادت بكثافة .. ولا أكثر منها إلا بضاعة الزيف والنفاق .. الكل يشتري .. والكل يبيع .. لدرجة أن الممثلين والممثلات بدأوا في بيع شخصياتهم وقيمهم وضمائرهم .. وأصبحوا سماسرة للتيارات اليمينية واليسارية المتطرفة خارج شارعنا .. وبصراحة متناهية .. لم أعد قادراً على الحكم على المشهد .. أهو كوميديا سوداء أم تراجيديا بيضاء ؟!
ولكنني أجزم بأن ميزان الحكم على الأشياء أصابه التطفيف .. وأن المعايير اختلّت .. لدرجة أن خشبة المسرح الكبير أهملت .. وأخذ الممثلون في ( كنس ) أو ( تفخيخ ) المسارح البعيدة .. ولم نجد من وراء ذلك إلا الغبار أو الشظايا في وجوهنا ..
ولا أستبعد أن أرى الممثلين يلوّحون بهراواتهم غداً في وجوه بعضهم وفوق مسرحنا ذاته من أجل اختلافهم حول العنوان فقط .. هل يسمّون مسرحيتهم ( الخليفة ) أم يسمّونها ( المرشد ) أم يسمّونها ( هيّا تعال ) ؟! ..
ولهذا .. فإنني أدعو إلى إعادة ضبط ساعة التوجّهات .. وتغيير اتجاه البوصلة لتشير إلى مستقبلنا نحن .. ودولتنا نحن .. نحن فقط .. وليس أقدر على ذلك من التعليم .. التعليم الذي يوجّه الاهتمامات .. ويبرز الأولويات .. ويشكّل التوجّهات .. ويرسم ملامح الهوية ..
لقد ضاع الوسطي وضاعت الوسطية برمّتها .. وسيطر على المسرح أناس لا يروننا إلا ما يرون .. ويصمّمون على إهدائنا لسبل رشادهم بالهراوة ..
لقد نما وتضاعف الزيف والنفاق حتى أصبح أشجاراً داخل مدارسنا بسبب مناهجنا المنبتّة عن الواقع .. المتناقضة معه .. وبسبب ثقافة الموت .. وثقافة التجهّم .. وادّعاء المثالية .. واختفاء البهجة والفرح .. وقتل الإبداع ..
مرحباً بك أيها الوزير إلى هذه الدّوامة التي ستسعى لاختطافك من أول يوم .. مرحباً بك إلى الترهل الإداري .. مرحباً بك إلى المركزية والمحسوبية .. مرحباً بك إلى ميدان التحجير للتنظير .. وكم من منّظر من قبلك جرفه التيار حتى قبل أن يشهق شهقته الأخيرة ..
ولأنك طموح وجريء حتى البارحة .. فإنني سأنصحك بأمرين ليستمر طموحك وتستمر جرأتك :
= لا تقبل رأياً ولا مشورة ولا اقتراحاً من الذين يلبسون الجاكيت من فوق الثوب ويلبسون شراباً أزرق حتى في عزّ الصيف.
= قم بثورة إدارية وتربوية حقيقية وجريئة تغير الواقع بقوة ووضوح .. أو قم بشراء عشرين مشلحاً وعشرين غترة واشترك في نادٍ رياضي للرشاقة .. لكي ( تطلع ) الصورة حلوة في الصحافة والتلفزيون كلما أردت التنظير ..
صالح جريبيع الزهراني