آراء و تدوينات

الحقوق .. لا تسقط بالتقادم

أميمة عبد العزيز زاهد

قالت: سيدي لو كان لي أن أكتب لك لأجدد عهداً أو وداً قديماً، ما كتبت يداي حرفاً ولا خطت أناملي كلمة؛ ًلأني لا أعتقد أن عهداً مثل عهدك يستحق أن أتذكره، أو أندم عليه فأطلب تجديده، فأنت تعلم حينما طلبت الانفصال عنك لأسباب أنت تعرفها جيداً، كان أكثر ما يشغلني هو مصير أبنائي، وطلبت منك أن يكونوا معي ولكنك هددت وتوعدت بما أني قد تركتك فعليّ أن أتركهم، وبأن لا أشغل بالي بهم، فذلك ليس من اختصاصي ولا من شأني، وبأنك المسئول عنهم، وغادرتك وبين جنبي نار تضطرم؛ لبعد أبنائي عني، فأي راحة لأطفال في وجود أب لا يعلم عنهم شيئاً، وأنا أعرفك جيداً فأنت تصور نفسك بالأب الرحيم وبأنك تحبهم وأنت أناني لا تحب إلا نفسك.

.

وما هي إلا أشهر قليلة حتى قررت الزواج مرة أخرى، وهذا من كامل حقك، ولكن الذي ليس من حقك هو أن تستنزف مشاعر أبنائك، وترسم بصمات الحزن على وجوههم وقلوبهم، عندما فضلت زوجتك عليهم وأهملتهم، ونفذت رغبتها بدون تردد ولحظتها تركتهم لي لأتحمل مسؤوليتهم، والحمدلله فقد أعاد قرارك الراحة لنفسي، فأخيراً سيعود أبنائي لحضني.

.

ومرت السنوات وأنجبت خلالها ضحايا آخرين، ولكنهم كانوا أوفر حظاً، فقد نالوا كل اهتمامك وحظوا بكل حنانك، ولم تراع الله حين فرقت بينهم وبين إخوتهم في المعاملة، وأصبحت أنا لأبنائي بمثابة الأم والأب، وتخليت عن طموحاتي، وذابت أحلامي من أجل تربيتهم، وتفانيت في خدمتهم ورعايتهم، وقدمت كل ما أملك من تضحيات، بكل رضا في حين لم يسلموا ابناءك من تلقى صفعاتك المتتالية ….وكلما يناقشك من حولك بضرورة الاهتمام بهم والسؤال عنهم، كنت تستقبل كلامهم ببرود شديد ولامبالاة، وتقول بأن لك حياتك وعالمك، وعليهم التعايش مع الأمر الواقع، تُرى من سيدفع ثمن حرمانهم من وجودك في حياتهم؟ ومن سيعوضهم ما مر بهم من تعاسة أنت سببها؟ وكيف تستطيع سداد ديونك المتراكمة حيالي وحيالهم؟

.

فالاب أيها الفاضل إذا كنت لا تعلم هو  ملاذ لابنائه وزورق نجاة لهم هو الدعم والسند والمشورة والامن والامان والحماية  ؟ .. الأب هو الركن الشديد الذي يلجأوان اليه بلا وجل ولا خوف ولا تردد .. إن مرارة خيبة أملهم فيك أشد إيلاما، وأمر من مرارة الظلم

.

فالتفرقة والإهمال والقسوة على من كنت سبب وجودهم جريمة لا يعاقب عليها القانون، فهل فكرت في أي محنة مرت بهم؟ هذا لو كنت أصلاً تعلمها، هل أسرعت يوماً ليرتمي أحدهم في حضنك؟ حضنك الذي لا يعرفونه أو يذكرونه، هل سألتهم يوماً عن الذي ينقصهم؟ هل… وهل…؟ كثير من علامات الاستفهام التي لا أجد رداً عليها سوى أن أقول:

إن عدم خوفك من الله، مع اختلال ميزان القيم في داخلك، جعلت منك أباً أنانياً وسلبياً وعديم الإحساس، وهذه الصفات هي التي تجعل من رجل مثلك، يرتضي على نفسه أن يعيش حياته بالطول والعرض، متناسياً وجود أبناء من صلبه تربيهم وتتحمل مسؤليتهم، وتنفق عليهم امرأة حتى لو كانت أمهم.

 ياسيدي لا تنس أن الميزان حساس بمثقال الذرة، ولا يضيع فيها حق ولا يتبدد، ولا يسقط بالتقادم، ويبقى في ذمة صاحبه، مهما قدم العهد، ومهما مر الزمن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى