آراء و تدوينات

الشيخ زُبـِير

د. أشرف سالم

كنتُ مشاركًا في مؤتمرٍ علميٍّ بجامعة “جَدارا” الأردنية؛ وأثناء استعراضي لعناوين الجلسات لفت نظري عنوان ورقة:” قراءة في كتاب “عشرة آلاف كلمة إنجليزية من أصل عربي” للدكتور سليمان أبو غوش؛ وكان مقدم الورقة د. ناصر محمود النواصرة؛ من قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة جدارا.

أثار العنوان فضولي؛ خاصة لما تضمنه من عددٍ كبير للكلمات، وبالطبع أنا عربيٌّ عاشقٌ للعربية؛ وأدرك مكانتها وأقدر قدسيتها التي اكتسبتها من كونها وعاءً لكتاب الله الكريم، ولكن يزعجني التعسف الذي أعتبرهُ مسيئًا للعربية وليس مزكيًّا لها؛ حين تُنسب إليها كلمات دون الاستناد إلى مقاييس علمية دقيقة؛ حتى بلغ الأمر حدًا مضحكا يثير السخرية؛ مثل ادعاء أن شكسبير عربيٌ اسمه الشيخ زبير؛

وأرى أن التعامل مع هذه القضية يحتاج إلى دقة علمية شديدة بتجرد تام؛ خاصة مع اللغات التي لا يربطها بالعربية جذور أو جسور ينتج عنها منطقية التشابه، وأقصد بالجذور وجود أصول تجمع اللغتين كما في حالة العبرية والفارسية؛ وأقصد بالجسور قنوات الاتصال مثل الدين كما مع التركية والأوردو؛ أو الجوار كما مع الكردية والسواحلية.

ولكنني عندما حضرتُ المحاضرة؛ أشهدُ بأن هذا الكتاب أدهشني وأقنعني؛ لأن مؤلفه رحمه الله اعتمد معايير علمية؛ واستدل بأمثلة مقنعة، فمثلاً كلمة (Camel) أي جَمَل لا تحتاج إلى تدليل على أن مصدرها العربية؛ خاصة وأن الجمل شائعٌ في جزيرة العرب ونادرٌ في بلاد الإنجليز، وكلمة (Cut) بمعنى قَطَعَ مصدرها في العربية الفعل (قَدَّ) {وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ .. الآية}،

وغيرها من الألفاظ التي اختارها المحاضر من بين آلاف الكلمات التي ضمَّها الكتاب؛ التي يدل ظاهر لفظها وجوهر معناها على أنها تنتمي في الأصل إلى اللغة العربية، فذلك أكثر مما يتحمله قانون المصادفة.

فالمؤلف يبين لنا أن هناك آلاف من الكلمات العربية والإنجليزية تتشابه لفظاً ومعنى ويضرب المؤلف أمثلة كثيرة يدلل بها صحة ما يقول من خلال تناوله لخمسة قوانين وقواعد ثابتة، يجب اتباعها والأخذ بها عند مقارنة أي كلمة إنجليزية بما يشابهها من الكلمات العربية من ناحية اللفظة والمعنى؛ بناء على ما لدى علماء اللغات من معلومات مصدرها الآثار.

كما لجأ الكاتب لمعرفة اللغة التي أخذت من الأخرى (من المستعير ومن المستعار منه؟) يقصد بذلك اللغة العربية واللغة الإنجليزية، وذلك بالبحث عن أُسر الكلمات، ليبرهن بالأدلة أن أُسر الكلمات في العربية كبيرة الحجم كثيرة العدد،

بينما أُسر شبيهاتها من الإنجليزية صغيرة جداً يتيمة ليس لها أُسر، وبذلك يثبت بالأدلة أن اللغة الإنجليزية هي المستعيرة، واللغة العربية هي المستعار منها.

سأسارعُ بإذن الله لاقتناء الكتاب وقراءته (بل التعلم منه)؛ فالظاهر مما طرحه الباحثُ أن كاتبنا التزم واعتمد معايير دلالية مقبولة علميا، وهذا غالباً يرجح صواب استنتاجاته.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من صحيفة الاتجاه

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading