آراء و تدوينات

ثلاثية الندى.. مقاربة نقدية

د. يوسف حسن العارف

(1) … و(سونيا أحمد مالكي)، كاتبة وأديبة، أدارت الصحة المدرسية بتعليم جدة بخلفية أكاديمية طبية، فهي خريجة جامعة القاهرة في الطب والجراحة، وقائدة للمدارس المعززة للصحة، وحاصلة على العديد من البرامج التطويرية والتدريبية.. مكية المولد والنشأة، أديبة التوجه والهواية والمهارة، ولكن العمل الإداري أخذها عن عشقها الكتابي فتوارت حتى تقاعدت، ثم بدأ وهجها وحضورها الأدبي من خلال منجزاتها الأدبية التالية:

– شفرة 21 (رواية) عام 1442هـ/2021م.

– ندى (رواية) عام 1443هـ/2021م.

– عروبة فلسطين والقدس (تاريخ) عام 1440هـ/2019م.

– عنواننا وطن (مقالات نثرية) عام 1443هـ/2022م.

– ظلال (مجموعة قصصية وقصة قصيرة جداً) عام 1444هـ/2022م.

– مسفر وسارة (رواية) عام 1445هـ/2023م.

– رجل يبحث عن أنثى (رواية) عام 1445هـ/2023م.

*      *     *

(2) لقد اطلعت على مجمل أعمالها الكتابية، السابق ذكرها، فوجدتها تحمل قلماً رشيق العبارة، وأسلوباً كتابياً غاية في المتعة والإثارة، وأفكاراً اجتماعية تلامس الجوانب الإنسانية، وتتفاعل مع واقع الأحداث الأليمة والسارة. فتقدم لنا – وللقراء – أجناساً أدبية راقية فيها العمق والواقع، وفيها الخيال والأصالة، وفيها المتعة والفائدة.

وبما أن (الرواية) – كجنس أدبي معاصر – يحتل في قائمة منجزاتها قصب السبق، حيث أنجزت – حتى الآن – (أربع روايات) وبين يديَّ منها (ثلاثة أعمال روائية) وهي: ندى، مسفر وسارة، رجل يبحث عن أنثى، فإن الدراسة النقدية ستحتفل بهذا المنجز الروائي للكاتبة الأدبية، وستسعى لسبر أغوارها (الحكائية، واللغوية والأسلوبية، والزمكانية) وهذه كلها المدارات التي تؤطر كل الأعمال الروائية وتمنحها جنوستها وكينونتها التعبيرية!!

ولعل وقفتنا النقدية الأولى مع العتبات النصيِّة أو ما يسميها بعض النقاد (العتبات الموازية) أو (النصوص الموازية) وهي كل ما يحيط بالمتن الروائي من عناوين وإهداءات وصور ورسومات لها علاقات قريبة أو بعيدة مع المتن الروائي وأحداث الرواية أياً كانت (ـتراجيدية أو درامية). وسنكتفي هنا بالتعليق والمداخلة على العتبة العنوانية، والعتبة الإهدائية، وتشظياتها داخل المتن الروائي.

*      *     *

(3) في رواية (ندى) جاء العنوان مفرداً/ أي كلمة واحدة دالة على (أنثى) التي هي (بطلة الرواية) أو الشخصية المحورية في الرواية. وكتبت بالخط الثلثي في أعلى صفحة العنوان/ الغلاف، مع منظر متخيل للبحر والأفق والشاطئ الذي يقعد عليه (أحد النَّاس) في حالة تأمل عميق!!

المسحات اللونية المتصاعدة من الأسود في أسفل الغلاف والذي تزين باسم المؤلفة باللون الأبيض والخط الثلثي، وأيقونة الدار الناشرة إلى الأزرق البحري والسماوي في المنتصف، وإلى ألوان الشفق الزاهي في أعلى الغلاف مع كتابة العنوان (ندى).

وعبر هذه التشكيلة العتباتية نجد الدلالات والإيحاءات الضمنيَّة التي تحيل إلى المتن الروائي وما فيه من تشابكات نفسية واجتماعية لبطلة الرواية (ندى)، وتحولاتها من الدائرة السوداوية وما فيها من فقد ويتم وأحزان… إلخ ويمثلها اللون الأسود في الغلاف، إلى الدائرة الزرقاوية/ البحرية السماوية، وما فيها من دلالات لونية من الهدوء والصفاء والروحانية والأمل عبر التمرحلات التي عاشتها بطلة الرواية (ندى) في كنف جديها حتى آلت إلى الزواج!! ثم تنتهي بالدائرة الشفقية وألوانها البراقة والزاهية المرتبطة بشروق الشمس أو غروبها والدالة على النهايات الجميلة لبطلة الرواية (ندى)!!

ومع هذه الإطلالة العتباتية، نجد أن الرواية كلها تتشظى في قوالب لونية، وتحولات حدثية توحي لنا – كقراء – بالألوان الثلاثية التي تتشكل منها العتبة العنوانية/ الغلاف!!

وأما عتبة الإهداء لهذه الرواية (ندى) فهي لوحة لغوية وأسلوبية بامتياز تحمل (ثلاثيتها) المستحقة للإهداء الوالد: المعلم الأول، صاحب الأثير والتأثير (الأدبي، والفكري، والمعلوماتي).

رفيق الدرب/ الزوج: (السند، والداعم، والمشجع).

الأولاد الثلاثة: نائلة، عبدالرحمن، عبدالرحيم (مهجة القلب، وفلذة الكبد، ورحيق العمر).

من هنا نلحظ الثُّلاثيات المتتابعة لغوياً وأسلوبياً سواء مع الوالد، أو الزوج، أو الأبناء وفي ذلك ملمح جمالي وأسلوبي دال وموح على قدرة الأديبة الكاتبة/ الروائية على اختلاق أدواتها اللغوية والأسلوبية إشعاعاً أدبياً وشاعرياً ثلاثي الأبعاد!!

*      *     *

(4) … وبين العتبتين (العنوانية والإهدائية) تنمو وتتشظى أحداث الرواية في (ثُلاثِيَّات) فنيَّة، من حيث البناء الدرامي والحواري للشخصيات، والزمكانية المتوالفة مع الأحداث، والتصوير الفني للمشاعر والأحاسيس وتجسيدها عبر عوالم لغوية وأسلوبية مائزة. وهذا ما يجعل من الرواية (ندى) عالماً متكاملاً جمالياً وأسلوبياً، وبناءً فنياً، ورسالة أخلاقية مجتمعية تتنامى بين سطور وأحداث الرواية.

وأخيراً يمكن إجمال تلك (الثُلاثِيَّات) في العناصر النقدية التالية:

(1) الرواية من حيث موضوعها، وأحداثها، فهي رواية: رومانسية، في قالب إنساني، ذات بعد اجتماعي وثقافي.

(2) الرواية من حيث البطولة والشخصيات المحورية، فهي تتنامى بين أحمد (العريس)، سلمى (الأم)، ندى (العروس)، كشخصيات رئيسة وهناك العديد من الشخصيات الثانوية.

(3) الرواية من حيث البناء الفني والروائي، فهي تقسم إلى مراحل ثلاث (أيضاً) وهي:

* مرحلة التعرف والتعريف بالبطل النَّصِّي (ندى) عبر 70 صفحة الأولى من الرواية/ الفصول من (1 – 6).

* مرحلة الاسترجاع أو (Feed back) وفيها يتم استدعاء القوالب الروائية لبناء الحدث من حيث المكونات الحكائية، والأيقونات التفاعلية، وتشخص الجوانب الخفية للعمل الدرامي. وهذا يستغرق الفصول من (7 – 10)، حيث تتشكل الشخصيات الثانوية المحيطة بثلاثية البطولة  الرئيسة.

* مرحلة النهايات، حيث التئام الشمل، وزواج (أحمد) و(ندى)، ومقابلة الأم (سلمى)، والعودة إلى الجد (عبدالحميد الجابري) الذي وافق على أن “تعيشس سلمى في كنفه لتكون قريبة من ابنتها…” ص132 وهذه كلها في الفصل الأخير (11) ص ص 114-133. وفي هذه المرحلة تتكشف الأسرار (القديمة) التي أحاطت بـ(ندى) ومسيرتها في الحياة!!

*      *     *

(5) وفي رواية (مسفر وسارة)، تأخذنا العتبة العنوانية)، إلى صفحة الغلاف الأمامية، حيث نجد ثنائية العنوان اسم لذكر (مسفر) واسم لأنثى (سارة)، كما نجد صورتان أو رسمتان دالتان على الذكورة والأنوثة، إضافة إلى تجنيس العمل الكتابي (رواية) في أعلى الغلاف والمؤلف لها العمل (د. سونيا أحمد مالكي) في أسفل الغلاف، ويحيط بذلك كله هالة لونية، داكنة (نوعاً ما)، وخلفية مضيئة/ صفراء شمسيَّة، تبرز ملامح الصورتين التي تغلفهما مسحة من الكآبة والنظر العميق. وفي هذا من الدلالات والإيحاءات ما يجعلنا نستجلي ذلك من المتن الروائي الذي لخصته المؤلفة على صفحة الغلاف الخارجي/ الخلفية بقولها:

“سارة فتاة جميلة، جذابة، ومرحة… صادقة في حبها لمسفر”.

“في المقابل مسفر يكن لها حبًّا عظيماً”.

“بعد الاقتران بسارة والتخرج من الجامعة عادا إلى القرية في بلجرشي”.

“اضطرا أن يعيشا في بيئة مغايرة للبيئة التي نشأت فيها سارة”.

“كانت سلوكياتها متحررة في وسط منغلق”.

“مسفر وفشله في ترجمة حبه لسارة إلى شكل عملي وملموس”.

“العلاقة الزوجية تتوتر بينهما”.

“تعود الزوجة (سارة) لأهلها في أمريكا لتبدأ رحلة النهاية والخلع والفراق!!”.

وبين صفحتي الغلاف ودلالاتها العتباتية تنمو أحداث القصة الغرامية/ الرومانسية بين (مسفر) ابن القرية والعادات الرجعية/ المتخلفة و(سارة) بنت المدينة والحضارة والبيئة الأمريكية المتحررة!! وفي كل ذلك تتشكل أمامنا (ثلاثية) أسلوبية وحكائية لافتة ومثيرة، سنقف على أبعادها المعرفية والروائية بعد قليل.

أما العتبة الثانية/ عتبة الإهداء، فلا تبتعد عن ثنائية الرجل والمرأة التي رأيناها على عتبة الغلاف الأمامي، فمن خلال أسطر (الإهداء) (الستَّة) نلحظ (ثنائية) المرأة والرجل، ضمير المثنى (قلبيهما) (بينهما) ونلحظ (المسمَّى) (مسفر وسارة) رجل وأنثى!!، كما نلحظ أخيراً ثنائية عتباتية أسلوبية/ لغوية متميزة وهي عبارة: (كبرياء أنثى، وانهزامية رجل).

وبين العتبتين (العنوانية والإهدائية)، تتنامى أحداث الرواية في (ثُلاثِيَّات) متجانسة، متآزرة، متماسكة تفضي بعضها إلى بعض. فالثلاثية الأولى هي ما يتعلق بالعشق والغرام بين مسفر وسارة، وهذا استلهام لقصص العشق التراثية قيس وليلى، عنتر وعبلة، جميل وبثينة… إلخ حتى على مستوى التركيب اللغوي بدأت (العنونة) بالرجل ثم الأنثى!!

في هذه (الثلاثية) تتنامى الحبكة الروائية من تعارف وصداقة، إلى حب وغرام وعشق، إلى زواج وبناء أسرة وعائلة!!

وأما (الثلاثية) الثانية، فهي ما يتعلق بالأفق التاريخي الذي يغلف الرواية ويؤطرها كمتن حكائي في قوالب تاريخية، فنجد تاريخ لشركة آرامكو، وأنساب قبيلة (غامد)، حرب الخليج، والعلاقات السعودية الأمريكية والمجتمع القروي وعاداته وتقاليده التاريخية، والملك عبدالعزيز ومواقفه من القضية الفلسطينية، وهذا البعد التاريخي يضفي شيئاً من الواقعية لهذه الرواية.

وأما (الثلاثية) الأخيرة والثالثة فهي: المتن السردي، أو السرد الأدبي، الذي يحتوي البلاغة في التعبير، والفنيات التصويرية والوصفية، وتجسيد المشاعر والأحاسيس، ورسم الأبعاد النفسية بحروف لغوية قادرة على حمل المعنى إلى المتلقي بكل يسر ومقروئية.

وعبر هذه (الثلاثيات) يتشكل جسد النص الروائي وتتحدد تفريعاته التي اختارت لها الروائية (د. سونيا) الترقيم العددي فجاءت الرواية في (9 فصول/ رقميَّة وفي هذا تماهٍ مع الرواية السابقة، وعلى نفس النمطية المنهجيَّة).

والجميل في هذه الرواية، ذلك الاتساق الأسلوبي، والسرد العاطفي، والحيادية (كراوية) فلم تتحامل على (مسفر)، ولم تتعاطف مع (سارة)، وكانت بينهما على مسافة واحدة. ومن الجماليات (أيضاً) ثنائية القرية والمدينة، الحضارة والبداوة والتقاليد المجتمعية، وآفاق التحرر والتمرد والمدنيَّة.

*      *     *

(6) وفي (ثالث) الروايات، الموسومة بـ(رجل يبحث عن أنثى)، تصافحنا (عتبة العنوان) على صفحة الغلاف الأمامي بألوانها الزاهية اللون الأصفر والسماوي المتماوج في درجاته اللونية وصور الزهور والفراشات، وصورة لشاب حالم ينظر للبعيد في لفتة جانبية، وبجواره كتبت اسم المؤلفة (د.سونيا أحمد مالكي)، وأعلاها كتبت (عنوان الرواية) وتجنيسها (رواية)!! وعلى صفحة الغلاف/ الخلفية، عبارات مكثفة ومختصرة من متن الرواية وهي عبارة مقتبسة من الجزء (2) من الفصل السابع ص ص 119-120,

ومن خلال هذه (العتبة العنوانية) نلحظ دلالات الفراشات والزهور والورود، التي اقتبسها المصمم أو (الروائية) من الصفحة 30 حيث جاء فيها: “يشبِّه النساء الجميلات بالطواويس والفراشات. الطواويس بألوانها الزاهية وذيلها البديع الذي يبهج النظر عندما يتفتح كما تتفتح الزهور والفراشات التي تعشق الورود والأزهار، وتبهج الناظرين بألوانها الزاهية التي تجعلها من أرق الكائنات وأجملها منظراً”؟

كما نلحظ ثنائية (الرجل والأنثى) سواء في العنوان أم الإهداء ص5، وتتنامى هذه الثنائية عبر المتن الحكائي فنجد (مثلاً) من الشخصيات الثانوية: جميلة، الداية أم أحمد، جليلة، سعدية، خديجة. وهذه تحمل دلالات (الأنثى). أما دلالات (الرجل) فهي أسماء الشخصيات المتواترين في الرواية مثل: كمال، جمال، جميل، جلال، الدكتور… إلخ. هذه الشخصيات الرئيسة والثانوية، وعبر هذه (العتبة العنوانية)ـ تتناسل أحداث الرواية، وفضاءاتها النصيَّة.

أما عتبة (الإهداء)، فهي تحمل ثنائية (الرجل والمرأة) أيضاً إذ جاءت وفق الصيغة التالية: “إلى الرجل الذي لا يهمه في المرأة إلا أن تكون جميلة” ص5.

وبين هاتين العتبتين، تجيء الرواية عبر تقسيمات (فصولية) وكل (فصل) يتفرع إلى جزئيات رقمية حسب المسرد التالي:

     الفصول                الأجزاء والتفريعات

     الأول                        1-5

     الثاني                        1-4

     الثالث                        1-4

     الرابع                         1-4

     الخامس                      1-2

     السادس                      1-4

     السابع                       1-3

     الثامن                       1-4

     التاسع                     1-3

     العاشر                    1-2

     الحادي عشر              1-6

وعبر هذه الفصول، وتفريعاتها التجزيئية، تتكامل الرواية بناءً درامياً، تؤسس له (الروائية) وهي هنا تمثل (الراوي العليم) بمهاد نصِّي تستعرض فيه الأسرة التي ينتمي إليها (كمال) البطل الرئيس في الرواية وهي الأب جميل والأم جميلة والأخ جمال والعم جلال والخالة جليلة والداية أم أحمد، والعمَّة سعدية.

ثم تنطلق الرواية في فضاءاتها الموضوعية والحدثيَّة حيث الزواجات المتعددة للبطل (كمال) ومآلاتها، وفق المسرد التالي:

رقم الزيجة الاسم الجنسية المآلات ملاحظة
1

2

3

4

5

6

7

فيفيان

إيديل

سميرة

صفاء

سامية

ليلى

خديجة

بريطانية

تركية

مصرية

عراقية

مغربية

مواطنة

مواطنة

طلاق

وفاة

طلاق

طلاق

طلاق

خلع

بنت العم جلال

نجاح واستمرار

(بعد إنجاب الطفل/ عبدالله)

 

 

 

* لم يحدد الجنسية ولا الوطن والأقرب أنهما من السعودية

وتتكامل الرواية من خلال (السرد الروائي) والأسلوب الجمالي/ الفني والصور التوصيفية، وكل ذلك في متن راوئي متماسك، متسلسل ومتنامي في (زمنية سردية) متناغمة مع الأفق الروائي المنشود.

ومن كل ذلك تتبدى للناقد الحصيف (الثلاثيات) الكامنة في المتن الروائي/ النصِّي كما يلي:

أولاً: ثلاثية الفكرة والمعالجة الروائية والأسلوب. وفي هذه الثلاثية تختار الروائية موضوعها من فكرة اجتماعية وهي بناء المؤسسة العائلية/ الأسرية عن طريق الزواج، وتختار (كمال) ليلعب هذا الدور في تجارب متعددة مختلفة تصل إلى (سبع زيجات)، ومنها (أربع) تنتهي بالفراق، (وواحدة) بالوفاة، (وواحدة) بالمخالعة و(الأخيرة) بالنجاح والاستقرار في بيت يملأ الحب أركانه…) ص196/ كما جاء نهاية الرواية.

ورغم أن الفكرة والموضوع مسألة اجتماعية تتكرر في الواقع وليست ذات تفرد أو امتياز، ولكن (الراوي العليم) أراد لها أن تكون (متفردة) عبر الاختيارات الجنُوسيَّة) فهذه (بريطانية)، والأخرى (تركية) والثالثة (مغربية) ثم (مصرية) ثم (عراقية) ثم (سعودية) (ربما) وهذا التشكيل لم يجئ في الرواية (عبثاً) بل هو دال ومقصود بوعي كتابي!! وتفاعل اجتماعي مرصود!!

كما هي (متفردة)، عبر الأسلوب الكتابي، واللغة السلسة والسهلة التي لاتعقيد فيها ولا غموض، تحمل جماليات الوصف والتصوير، والتشويق والإثارة، والتواتر في الأحداث والتطورات الحكائية.

كما هي (متفردة) في المعطيات والمسارات والمآلات وفي ذلك تتضح قدرة الكاتبة/ الروائية/ الراوي العليم على بناء الحبكة الكامنة/ الدائمة عبر توضيح الأسباب، والدلالات، والنتائج المترتبة عليها، في إسقاطات واقعية/ إيجابية، وليست اعتباطية/ ظرفيَّة، وبهذا تنجح (الرواية) في الوصول إلى القارئ لأنها تعبِّر عن الفضاءات المتعارف عليها اجتماعياًّ.

والثلاثية الثانية هي: البنية السردية والفنية والجمالية، وهي ثلاثية تتحرك فيها الروائية/ الكاتبة/ الراوي العليم لإظهار مفاصل العمل الروائي وعناصره المكونة من أحداث وشخصيات وزمكانية. وفي ذلك تتجلى مقدرة (الكاتبة) على خلق أيقوناتها وفضاءاتها، عبر المنظور الموضوعي، والسيكولوجي النفسي والتنامي الحدثي.

وهنا يتضح للقارئ الكثير من جماليات العنونة، والتصوير والوصف، والتكثيف اللغوي، والاستشهادات الشعرية، والتوليفات المكانية والجغرافية، والتزمين السردي والتاريخي في توافقية فنية وأسلوبية وجمالية.

وأما الثلاثية الأخيرة/ الثالثة: المضمون النَّصِّي والغاية المقصودة والمآلات وهذه يمكن استنتاجها من تناميات الأحداث والتجارب (الزواجية) التي مرَّ بها بطل الرواية (كمال)، وما فيها من رسائل ضمنية، وأخلاقيات مجتمعية، أرادت المؤلفة/ الكاتبة/ إيصالها للمتلقي. ويمكن تلخيصها فيما جاء في الجزء الأخير من الرواية حيث الحوارية الأنيقة بين (كمال) وأخيه (جمال) وفيها ما يلي:

“قال جمال مخاطباً أخيه: أرجو ألا تغضب منِّي… بصراحة لم يكن يعجبني أسلوبك في الحياة، فقد كان شغلك الشاغل البحث عن أنثى وكان شرطك الوحيد أن تكون هذه الأنثى جميلة!”. وهنا نتذكر عتبة العنوان (رجل يبحث عن أنثى)!!

ثم يجيب (كمال): “نعم يا أخي هذا صحيح، فالمرأة الجميلة امرأة تتمتع بقوة وجاذبية كبيرة، وذلك لما للجمال من سطوة على القلوب وتأثير على الرجل…”.

ثم يتواصل الحوار:

جمال: وما الجديد؟!

كمال: “لقد اكتشفت بعد تلك التجارب العديدة… وبعد زيجتي الأخيرة من ابنة عمي خديجة أن جمال الوجه والجسم لا يكفي وحده. لذا لا يمكن للمرأة أن تكون أنثى كاملة وجميلة إن لم تتمتع بالجمال الداخلي والخارجي معاً…”.

ويضيف (كمال):

“لقد أدركت في نهاية المطاف أن نجاح الزواج لا يتطلب أن تكون الزوجة جميلة، وأن الجمال قيمة معنوية أكثر من أن تكون قيمة حسية”.

من هنا يمكن للقارئ الواعي أن يتعرف على الرسالة والغاية والهدف والأخلاقيات الإنسانية التي اشتغلت عليها الروائية في هذا المتن الروائي الجميل!!

*      *     *

(7) وبعد هذه (الثلاثيات) الماتعة في النصوص الروائية التي تداخلنا معها للأديبة الروائية، والكاتبة الرائعة، الدكتورة سونيا أحمد مالكي. تصل هذه المقاربة النقدية إلى ختامها حيث تحاول استكناه القواسم المشتركة والجوامع التي تتوافق عليها هذه المجموعات الروائية الثلاثة (ندى، مسفر وسارة، رجل يبحث عن أنثى) وهي كما يلي:

أولاً: أنها (جميعاً) كتبت ونشرت في أوقات متقاربة وزمانية تاريخية واحدة. ودار نشر واحدة أيضاً: (1443هـ/2021م، 1445هــ/2023م)، دار نشر تكوين المتحدة/ جدة).

ثانياً: التقسيمات والتفريعات الموحدة للروايات جميعاً بالأرقام المتسلسلة، وربما شذت وتفردت المجموعة الأخيرة بإضافة الفصول وترقيماتها. وهذه آلية إجرائية تقليدية متعارف عليها بين كتاب الرواية.

ثالثاً: الأفق الواقعي/ الاجتماعي/ الإنساني كمحور هام يجمع بين هذه الروايات حيث قضايا الحب، والزواج، ومآلات الخلع والطلاق والفراق، وذلك عبر التعالقات الذكورية والأنثوية في عوالم حضارية وثقافية تتنامى بين التمدن والبداوة!!

رابعاً: البيئات المكانية للروايات فهي تأخذ بعدين لا ثالث لهما: البعد الأول الخارجي حيث أوروبا وأمريكا، والبعد الثاني الداخلي حيث المحلي السعودي والإقليمي العربي.

خامساً: جماليات الوصف والتصوير الأنثوي، فالروائية تضفي من الصفات الأنثوية/ الجمالية ما يشي بالتماثل والتقارب الشكلي والملامح الجسدية الظاهرة فمثلاً:

* في رواية (ندى) وصف للسيدة (سلمى):

“تميزت شخصية سلمى بجاذبيتها وابتسامتها العذبة، وقد اعتادت أن تطلق شعرها الأسود الطويل خلف ظهرها فيبدو كشال حريري ينسدل على كتفيها. وكانت مزهوة بجمالها الطبيعي الذي جعلها تستغني عن أدوات الزينة والتجميل”، ص98.

* وفي رواية (مسفر وسارة) وصف للسيدة (مسعدة):

“مسعدة فتاة جميلة، عيناها كحيلتان، وشعرها أسود حالك… طويل وشديد النعومة، قامتها فارعة لكنها مكتنزة الجسم…” ص84.

* ووصف للفتاة (سارة): “……. وعلى ثغرها تلك الابتسامة الفاتنة”.

ومن الواضح أنه معجب بها “ربما بسبب رشاقتها وجاذبيتها وملامح وجهها الجميل.. ربما بسبب عينيها الساحرتين.. ربما لشعرها الكستنائي الناعم المنسدل على كتفيها بدلال.. وربما لابتسامتها الفاتنة…”، ص ص15-16.

* وفي رواية (رجل يبحث عن أنثى) وصف الفتاة (فيفيان البريطانية):

“صعق بجمالها الأخاذ، فقد تمتعت بجسم ممشوق وقوام رشيق كأنه قوام غزال وسحرته بابتسامتها وعيونها.. وكذلك قسمات وجهها الوضاء وبشرتها الصافية التي تلمع بلون وردي طبيعي” ص30.

* ووصف للفتاة (إيديل التركية):

“عيناها عسليتان واسعتان، بيضاء البشرة، شعرها الأشقر ينسدل على كتفيها بنعومة، قليلة الحجم، وعلى قدر كبير من الجاذبية” ص64.

* ووصف للفتاة (صفاء) العراقية:

“دخلت المعرض سيدة صهباء، ذات شعر أحمر مشتعل بيضاء البشرة بلون مشوب بالاحمرار، لديها تلك العيون الجميلة الواسعة التي تمنح شخصيتها إحساساً بالحزن…” ص89.

“… قوامها الرشيق، وخصرها النحيف جداً، وملابسها الراقية التي كشفت عن جسم متناسق ومثير” ص91.

* ووصف للفتاة (ليلى):

“ذات العيون الذهبية والثغر القرمزي، وشعرها الأشقر الناعم الذي ينسدل على كتفيها كسنابل القمح…” ص137.

ومن هذه الأوصاف التصويرية يتضح لنا مقاييس الجمال عند الكاتبة/ الروائية/ الدكتورة سونيا أحمد مالكي، على لسان البطل (كمال) وهي (الراوي العليم) الذي يضع على لسان أبطاله وأفكارهم ما يقولون وبه يوقنون!!

وأخيراً:

فإن هذه الروايات (الثلاثة)، تحمل جمالياتها الأسلوبية، وفضاءاتها الروائية، وفنياتها الأسلوبية، ما يجعلها جديرة بالاقتناء والقراءة والمتعة والفائدة، لأنها بريشة مبدعة/ عالمة، ومربية فاضلة، وأم تربوية خبيرة، وكاتبة اجتماعية وأدبية واقعية.

ولعل هذه المقاربة النقدية مجرد مفاتيح أولية لقراءات قادمة، ودراسات نقدية متجددة فهي بذلك جديرة، وفضاءاتها ومقولاتها أخلاقية لا إسفاف فيها ولا سقوط في المحظورات الروائية، وإنما تتسامى بحسها الاجتماعي والإنساني والقيمي الإسلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com