قراءة في مجموعة (الغزالة) لـ أميمة الخميس

وفـاء بنت صديق
تميزت المجموعة الأدبية (الغزالة) للكاتبة أميمة الخميس بعنوانها اللافت، وهو إحدى القصص الموجودة في المجموعة، والذي جاء منسجمًا مع العبارة المكتوبة على الغلاف ” قصص نجت من كهف العزلة “، وصورة الغلاف التي يظهر فيها خروج أشخاص من باب منزل مظلم، ووقوف آخرين عند عتبته المليئة بالأسرار والخفايا.
ولقد امتدّ هذا التميز بالعناوين إلى بقية العمل الأدبي، فعند تنقلنا بين القصص تستوقفنا القصة الرابعة في الصفحة التاسعة (ازدحام) ، فعند قراءة هذه الكلمة يتبادر إلى الذهن طريق مكتظ بالسيارات، ولكن نتفاجأ بأن الازدحام موجود في خزانة (سارة) التي تجمع وتكدّس الأغراض فيها :” علب وردية، ملابس معلقة، عطور وأكياس معقودة بشرائط ستان ..”
والواقع أن الكاتبة طرحت بأسلوبها السردي المتفرّد، وعبر تقنية الراوي العليم (غير المشارك) قضية عميقة تستحق التأمل، وهي الفرح المؤجل في سراب الانتظار، فـ(سارة) ترزح تحت تصرف قهري اعتادت عليه اتضح ذلك لنا من خلال الاسترجاع الخارجي في نهاية المقطع الأول من القصة:” كما هي لحظة سلمها البائع لها “.
كما أنها لا تكتفي بالاحتفاظ بأغراضها جديدة، كما اشترتها مؤجلة استعمالها، بل تمنعها بكل قسوة من الخروج وكأنها حبيسة هذا المكان:”.
كانت تجلد ظهر الهواء بالخيزرانة، فيئز الهواء بألم أمام الأحذية والأثواب والقمصان..” وينكشف الدافع وراء تصرفها الفجّ بصراخها وتصريحها بأنها تنتظر حضور الحياة التي قد تكون متمثلة في أمر ما تترقب حدوثه، أو قدوم شخص ما، ولكنه تأخر.
ومن المفارقة أن يلي هذا الحدث حدث مهم يكشف لنا أن الحياة أيضًا تتلصص على تلك الأشياء، وتنتظر إطلاق سراحها وتزين سارة بها حتى تظهر؛ ليحتفل الجميع بالفرح.
وكانت (سارة) الممسكة بدفة الحدث، فهي الشخصية الرئيسة المترقبة قدوم الحياة تلك القناعة التي نسجها عقلها من عالم الوهم، فأضاع عليها لحظات العيش ظهر ذلك جليًّا في حوارها الخارجي من خلال ارتفاع صوتها على المقتنيات قائلة: “لن يخرج أحد منكم، قبل أن تحضر الحياة لنبدأها” إضافة إلى الحوارية بين (سارة) والأغراض في صراع قائم بينهما: “..تلوح بها في وجه المقتنيات ترفض أن تسمح لأي من العلب بالخروج..”.
هذا الصراع الذي شهدته (الخزانة) كما شهدت انتظار كل طرف للآخر سواء: أكانت سارة أو الحياة أو المقتنيات للبدء بالعيش.
إضافة إلى شخصية (الحياة) الثانوية المتزينة المتلصصة من فتحة باب الخزانة، والتي ساعدت رمزيتها في التأكيد على مفهوم الانتظار الوهمي:” ..كانت الحياة بدورها تتلصص عليهم، وقد تهيأت وتجملت وعقصت شعرها عاليًا ورشقت به نرجسة..”
إن عنصر الانتظار هو العنصر المهيمن في هذه القصة، فالجميع على قيد الانتظار: سارة تنتظر الحياة، والحياة تنتظر تحرّر الأغراض واستخدام (سارة) لها، فالراوي بالرغم من كونه غير مشارك إلا أنه استطاع بصوته الخارجي أن يخبرنا بما لا تعلمه سارة وهو انتظار الحياة لها، وحثّها على المبادرة بالبدء بممارستها ما استطاعت إليها سبيلًا،
دون انتظار تحقق أمنية معينة، أو حدث تشترط وقوعه، حتى لا يضيع عمرها في وهم عاش في عقلها ونما وكبر حتى سيطر على تفكيرها وتصرفاتها، وكأنها دعوة للتفكر في حياتنا، والبحث عن إجابة لسؤال طرق أذهاننا:
كم من فرح انتظرناه؟ … وكم من فرصة للحياة فاتت ونحن في انتظار؟