زفة العروس .. تفاصيل منسيّة

عبدالحي إبراهيم الغبيشي
كنت في مسامرة مع بعض الرفاق قبل أيام، وأمتد حديثنا إلى (زفة العروس قديمًا) في منطقة الباحة.
شدني الحديث حقيقة، ولا غرابة فإن موروثنا بغناه وتفاصيله وصوره البديعة مدهش للغاية، وكل منا يطرب لسماع ما يكتنزه من جماليات.
تلك كان الشرارة التي قدحت، فكتب هذه السطور….
بداية أقول إن زفة العروس، كانت كرنفالا جميلا في مطقتنا، لها طقوسها ومحدداتها اللافتة
فالعروس قبل سنوات بعيدة في منطقتنا، كانت تُنقل (تُزف) من بيت أهلها إلى بيت زوجها على ظهر جمل، لكن من دون (هودج) كما نرى الآن في الحفلات التراثية، التي تريد استعادة مظاهر الماضي أمام جمهور المهرجانات.
العروس – زمان – كانت تستقل ظهر الجمل، على (القُتابة) مباشرة بدون هودج، وذلك بالنسبة للعروس البكر. أما الثيب فلا تُزف على الجمل.
وعندما تكون العروس على الجمل، تكون متلحفة بالمصنف بدون نقاب، ويكون على جانبي خديها ومن تحت رقبتها ما يعرف بـ(السلسلة) إضافة إلى باقي (الصيغة أي الحُلي) المعروفة قديمًا، وينصب الكادي على رأسها، وأحيانًا يسدل على وجهها غطاء خفيف يسمى (المسفع).
وتركب على الجمل رديفة خلف أحد أقربائها، وفي العادة يكون الأوسم والأشجع، خاصة عندما يكون الزواج خارج القرية أو القبيلة، ويخرج معها جملين آخرين أو أكثر – كموكب – يُحمل على الأول (جهاز العروس) وهو عبارة عن سحارية ومنبر وأغراض المسدح، من خشب ورمله وعباه، وبعض الأغراض الأخرى، كالمهراس والمنفاخ والقربة والدلو.
ويُحمل على الجمل الآخر (الظبيه) وهي كمية من الطحين توضع في وعاء من الجلد يسمى الظبيه، تقدم بركه لأهل العريس من كل امرأة “مشروطة” مع العروس (أي التي لها كسوه)، وتخرج مع العروس (الجرة) وهذه الكلمة فصحى، تقول الخنساء:
حَمّالُ أَلوِيَةٍ هَبّاطُ أَودِيَةٍ … شَهّادُ أَندِيَةٍ لِلجَيشِ جَرّارُ.
وقبل خروجها من بيت أبيها يجتمعن النساء، ويقمن لها وداعًا يسمى (قَدر) قبل خروجها، وقد يرافقنها بالجرة حتى تخرج من القرية، ويرددن قصائد وداع فيها نبرة حزن .. مثال:
تشفعوا للقصر ريته ينودا
يقول با ساير مليح الخدودا
وأيضا ….
وداعة الله .. يا غريرٌ محنا
انحن عفينا عنك وأنت اعف عنا
ويرجعن المودعات، ولا يذهب معها إلا “المشروطات” من قريباتها، وذلك بعكس الرجال، حيث يذهب معها معظم رجال القرية، ويخرج موكب العروس يتقدمه الرجال والنساء في الخلف، يحطن بالجمل المقل للعروس، وهن يلعبن ويضربن بالدفوف، وقد يكون معهم بقرة أو ثورًا تقودها أحد النساء تسمى (قواده)، مشاركة من الرحيم إلى رحيمه، وتذبح في اليوم الثاني للعرس.
وعندما يصلون إلى بيت العريس، يكون هناك استقبال حافل، وقد يقفز الرجل من على مقدمة الجمل، استعراضاً قبل أن يبُرك، ويتلقف النساء العروس، وتُزف العروس في المقدمة، بين اثنتين من النساء، وتكون خلفها (جرة النساء) ويكون المستقبلات من النساء عند الوصول أكثر حماسًا، ويسمع صوت الغطارف المدوية، وتبدأ الشاعرة في إلقاء قصيدة، مثل:
سلام ياعم علي عد المطر من وكونه
جينا مع تمر صفري ياتمايل غصونه
وأيضا ….
سلام ياتي الدار عِدة حصاها
جينا نودي بندقه في خباها
وتبدأ العروس عند الدخول من عتبة الباب بإدخال رجلها اليمنى، وتكون والدة العريس أو أحد أقربائه بالمقدمة حيث الاستقبال والتراحيب مثال ذلك:
يا مرحبا مرحبا من روس بفتٌ جديدٌ
ترحيبة صادقه – ومن أم عبد المجيد
وتبدأ أم العريس عند دخول العروس بـ(تخضيرها) أي وضع ورق السدر المعجون على أقدام العروس (تفاؤلًا)، وقد أستبدل بالعطر فيما بعد، وتقول: “أدخلي يا خضراء وأخرجي يا غبراء”
وهذا يذكرني بقصيدة رويت قبل ٧٥ عامًا لأسرة عريقة ممتدة، حيث اختلفوا فيمن يركب فوق الجمل أمام العروس، أهو أخوها أم عمها، وكانوا متقاربين في السن والوسامة، وتأخر خروج العروس، حيث كان أخوها يريد أن يركب الجمل أمام أخته، والأب محتارًا لا يريد أن يغضب أبنه – ولا يريد كذلك غضب أخوه (عمها) ارضاءً للجد، وكان هناك شاعر يراقب ذلك المشهد عن كثب، فقال هذي القصيدة:
هيا احزبي يا جوخ أعلى المكاين
وفي سويقه منسجه عند باكدم
وفي الرد يقول :
يا لله تهدي الولد – لأبوه
أوصيك يا ولدي ببوك دُمّ
ما تقدم أعلاه، يخص موكب العروس وجرة النساء، أما الرجال فلهم موضوع آخر ….
وقد نأتي عليه في قادم الأيام …