ذكرياتٌ لا تموت
ليلى سـعيد الزهراني
عامل الحياة معاملة الضيف العجول، فقد تمضي سريعا دون ان تشعر بها، فألامس رحل ولن يعود وسيبقى في ذاكرتك للأبد، لذلك عش حاضرك وتمتع بكل ما تملك، واستشعر كل نعمة لديك، فقرب الأحبة والعافية والأمان وراحة البال، من أعظم نعم الدنيا.
فقد كنا منذ مدة ليست بالبعيدة إذا اقتربت الإجازة الصيفية نشد رحالنا إلى مسقط رأس والدي -رحمه الله- في قريته الصغيرة، ولكنها كانت كالنعيم بالنسبة إليه، فقد كان قلبه يتراقص فرحًا لهذه الرحلة، فهي فرصة لتصفيه ذهنه من أعباء العمل طوال العام ولقاء الأقارب والأحبة، ولن أنسى كيف كان في السيارة يدندن بأغنيته المفضلة، “على بلد المحبوب وديني …”
وأتذكر فرط سعادته بهذه الرحلة، ولكني لم أستشعر وقتها ما يحدث وما يعتريه، حتى كبرت وابتعدت بحكم الزواج والحياة، فقد أصبحت آتي إلى ذات المكان وفي ذات الزمان -الإجازة الصيفية – لكن المكان فقد بريقة الساحر.
ولطالما تساءلت دومًا هل للأماكن أرواح، لكني أدركت مؤخرًا خطئي، بأن جمال المكان بمن يسكنه فهم الروح والحياة، فقد أصبحت آتي إلى القرية في منزل والدي، ولكني افتقد ثنايا وجوده الجميل، الذي لا يزال في مخيلتي، وكأني أراه أمامي وأسمع وقع أقدامه حين يستيقظ لصلاة الفجر، وتمتمات أذكاره الصباحية بعد فراغه من الصلاة.
لقد أصبح وجوده سرابا بالنسبة لي، فلم أعد أراه إلا حينا في المنام، فادركت أن الديار دون أهلها خاوية دون حياة، كاللوحة الجميلة بلا ألوان وأتذكر بعض الأبيات التي قرأتها، وجالت في خاطري حين زيارتي لأول مرة لمنزل أهلي بعد وفاة والدي:
“أبتاه باب الدار أصبح موحشا … من دون وجهك تعتمي أرجائي
أبتاه أقفرت الديار وأظلمت … ها قد رحلت فأين أين ضيائي”
لذلك اغتنموا كل لحظه جميلة مع أحبتكم وتمسكوا بهم جيدًا قبل الرحيل، فالحياة بمعتركاتها قد تأخذنا بعيدًا عمن نحب، وما نحب بلا عوده.