أدباء ومثقفون يناقشون رواية “فراغ مكتظ” للروائي “مضواح” في “بيت السرد”
الاتجاه – الدمام:
ضمن أنشطة نادي بيت السرد بالدمام في مكتبة إثراء، تمت مناقشة رواية (فراغ مكتظ) للروائي (إبراهيم مضواح) مساء الثلاثاء ١٩ نوفمبر ٢٠٢٤ بحضور أعضاء بيت السرد، وعدد من المهتمين بالأدب.
بدأ النقاش بمقدمة من الأستاذة مريم الحسن وتلخيص للرواية والتعريف بالروائي إبراهيم مضواح الألمعي، وهو كاتب سعودي ولد في رجال ألمع، بمنطقة عسير، جنوب المملكة العربية السعودية.
روايته “فراغ مكتظ”، الصادرة عن دار أدب للنشر والتوزيع من مبادرة 100 كتاب من مؤسسة
أدب الثقافية. وفازت بالترشح للقائمة 18 في جائزة كتارا للرواية العربية.
ثم بدأ النقاش بورقة شاملة على شتى جوانب الرواية الفنية، من الأستاذ الناقد والقاص يحيي العلكمي مفادها أن الرواية (حدوتة) بسيطة لا تتجاوز التجهيز لندوة حوارية برعاية شركة كبيرة، بين علماني (علام) وآخر سلفي صحوي (نبهان)، لكن الروائي المبدع وفي هذا النص المستدير استطاع أن يدخلنا في الحوار والندوة حتى قبل أن تبدأ، ولعل في ختام الرواية ما يشير إلى أن الندوة قد بدأت بالفعل؛ فكلمة (بدأت) التي انتهت بها الرواية كانت مؤشرا على أننا ونحن نتلهف -قرائيا- إلى بداية الندوة الكبرى قد استمعنا وشاهدنا سلفا ما سيدور من أطروحات وآراء.
بعد ذلك تقدمت القاصة وفاء عمر بن صديق بورقتها التي عنونتها “البوليفونية في رواية ( فراغ مكتظ)”
وقالت: إن الرواية متعددة الأصوات نابعة من نظرية الناقد الروسي ميخائيل باختين والتي تمثلت في روايات الكاتب ديستوفسكي التي كانت تمردًا على الرواية التقليدية أحادية الصوت. كما ختمت ورقتها بأن الكاتب استطاع بكل مهارة توظيف التبئير أو تعدد الأصوات أو الرؤية متعددة الزوايا؛ لإعطاء مساحة حرة لكل شخصية؛ للتعبير عما ترمز إليه بموضوعية بعيدًا عن هيمنة السارد، وما يترتب عليه من ديكتاتورية وتحيزات بأحكام مسبقة تُملى على القارئ.
بينما عبر عضو بيت السرد الأستاذ محمد المثنى من خلال ورقته أن “فراغ مكتظ” للأستاذ ابراهيم الالمعي رحلة عميقة عبر غياهب الوجود، حيث يتنقل القارئ بين ظلال الهوية والاغتراب في عالم معقد. يجسد الكتاب تجربة إنسانية شاملة، في لحظات تبدو فيها الحياة وكأنها ساحة معركة بين الرغبات والأزمات.
ومن ثم شرع الأستاذ عادل جاد، بطرح ورقته التي جاءت بعنوان: (جدل المتناقضات في رواية فراغ مكتظ) صرح فيها بأن كل شيء في الرواية كان في وعاء المتناقضات حتى مباراة كرة القدم بين إيطاليا وفرنسا في كأس العالم وتأويلها بأكثر مما يجب، فرنسا تشير للتنوير وإيطاليا للفاتيكان. وأعتقد أن موضوع الرواية هو من فرض لغة الرواية وتقريريتها، ويحسب للعمل عدم انحيازه وأيضا كشفه على دراما الشخصيات. وكأن الرواية رسالة تحذير مبطن عما يمكن أن يحصل من شرور قد تصل لحرب أهلية أو خراب، لذلك فإن محسن هو الأمل.
وفي ذكر بعض التفاصيل التي تتعلق بمحطات الرواية تحدث الكاتب الأستاذ عبدالوهاب الفارس، بقوله أن الألمعي يقدم روايته بلغة رصينة ورزينة و السرد كان متماسكا ومتكاملا والطرح كان معقولا بالنسبة لمضمون الرواية، وإن كان هناك نوع من المواربة ربما اتبعها الراوي تحاشيا للخوض في أمور قد لا يكون هناك داع لطرحها كما هي وبحقيقتها. تتناول الرواية تضادا أو صراعا إيدلوجيا وفكريا ومجتمعيا، أو تنافسا بين فئتين إحداهما الليبرالية يتزعمها الدكتور علام، والأخرى الإسلام السياسي حسب وصف الراوي .. وهو ما قصدته بالمواربة في طرحه. حيث أنه حسب الوصف الذي قدمه يتعلق بفترة متقدمة. ويتزعمها الشيخ نبهان.
بالنسبة للعنوان فقد رأيته يرمز إلى ذلك الصخب والضجيج حد العراك الإعلامي والمجتمعي وحتى الشخصي بين طرفين، كل منهما يتبنى موقفا حادا مع الحضور القوي للمصالح الشخصية وحتى الأمراض النفسية المتمثلة في الطباع الخاصة لكل منهما.
هذا الصخب والضجيج كله لا ينطلق من رؤية واعية وصادقة وجادة في البحث والتحري عن الحقيقة التي تصب في مصلحة المجتمع، بل ولا تركن إلى ركيزة علمية عاقلة وواعية وهادفة.
وبالتالي تصبح الساحة مكتظة بمعمعات وجعجعات لا طائل من ورائها، ولا تقدم جديدا سوى تمزيق المكون الاجتماعي بين هذا وذاك وجعله يدور في حلقة مفرغة.
وربما كانت الرسالة التي بعثتها مريم إلى هزاع وطلبت منه نشرها كقصة والتي عبرت فيها عن مصطلح “طرق الأواني الفارغة” ربما كانت هي تأكيدا لهذا الفراغ المكتظ وإن كان على المستوى النفسي والعاطفي.
كما قدم الأستاذ كاظم مأمون رؤيته الانطباعية موضحا أن الرواية مبنية على الصراعات المؤدلجة والحجاجية الفكرية. نجح الكاتب في وصف مشهدية الصراع بين تيارين يتصارعان لفرض أفكارهما على المجتمع في حيادية ابداعية وحبكة سردية مدهشة.
وقدم الدكتور ماجد الأعرج رؤيته شفويا بإلقاء ورؤية فنية حيث قال: الرواية رائعة بكل المقاييس، من العنوان ابتداءً ، وبرسم الشخصيات انتهاءً، وبالرسائل التي تحملها مرورًا، وبعنصر التشويق وصولًا، حيث استطاع الكاتب أن يرسم الشخصيات بالكلمات رسمًا دقيقًا. كانت لغة الرواية عالية، والألفاظ العاميّة شبه معدومة، وكانت ممتعة إلى درجة عالية. وكان الحوار خادمًا للفكرة، فالسرد والتشويق والبناء والوصف ساهموا في رفع القيمة الفنّيّة والجماليّة لهذه الرواية.
من جانبها تقدمت الكاتبة ليلى ربيع بورقتها بأن فراغ مكتظ، اكتظاظا مربكا لفراغ يُذكر، تحتاج إلى التأمل والتفكير مربكة تلك الرواية، محيرة، لأبعادها النفسية والاجتماعية وأثر كل من الاتجاهين على المجتمع.
عند مدخل الشقة تتشابك الأحداث كما تتداخل الأحذية المتعفنة. (تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى). حياة بسيطة لكنها معقدة ابن النملة، الشاعر، الدكتور، الشيخ الذي يُشغل الناس بما في الجنة ليأكل متاع الأرض، صراع لتيارات فكرية، رحيل، فقد، تنافس غير شريف، رصاصات قاتلة وطعنات نافذة.
كل شيء إلى النسيان، تفريغ كل ما يثقل الذاكرة ونشره على حبل غسيل أصم، من رحم الأحزان تولد الكلمات، حين يكن القلم سلاح للمقاومة فطعم الانتصار لا يتلاشى.
فيما تقدم عضو بيت السرد محمد الراوي مشاركاً برأيه وموضحاً أن الرواية من خلال شخوصها تطرقت في جلها على الجوانب الفكرية والإنسانية و طعمت ببعض الحبكة الدرامية لامست الرواية حالة التجاذب الفكري بين الإسلاميين والفكر الليبرالي المتحرر، رواية ذات طابع حواري يستمد فيه السرد الحواري على المحاججة، وهي فكرة حديثة في العمل السردي يتناولها كل طرف من أجل الإقناع وتقديم الأدلة على بطلان الرأي الآخر او صحته، هو نص موجه للجميع لترسيخ هذه الفكرة خاصة في القضايا الخلفية، نص يغلب عليه طابع الكتابة التقرير ية، ويعتمد على الربط المنطقي بين الأفكار، وذكر أحداث ومواقف كل جانب.
وختمت الأوراق الشاعرة فايزة هويدي بقولها: تحمل الرواية بين طياتها حدثان أساسيان: الهدف المباشر التجهيز المناظرة والهدف الغير مباشر هو تعرية كل من الليبراليين الإسلاميين من خلال وجهة نظر الكاتب عبر أبطال الرواية ومن خلاله تعرية المجتمع. كما عملت الرواية على البعد النفسي للشخصيات من خلال تتبع ماضي الشخصيات بالإضافة إلى تتبع البعد الاجتماعي والتاريخ أيضا للشخصيات وما حملته هذه الشخصيات من تناقضات إيجابية وسلبية وأهمها الانتهازية كما حملت الرواية بين طياتها رسائل مجتمعية عديدة. ما يميز الرواية هو النهاية التي انتهت بكلمة بدأت.
ودار النقاش في جو من التفاعل والحماس والجدل حول مواضيع الرواية بين الأعضاء والعضوات في مناقشة قضاياها من النواحي الفنية والانطباعية وبعض الاختلافات اللغوية.
وقد أتاحت مديرة الجلسة الأستاذة مريم الحسن مجال المداخلات والنقاش الحر خلال اللقاء، إضافة لما تمت مناقشته من أوراق، وتبادل وجهات النظر حول رواية واقعية مثيرة للجدل.