“كوكب جازان” المضيء في مجرة السعودية
فاطمة بنت عبدالله الدوسري
كتبت ذات مرة في إحدى ترويقاتي الصباحية اليومية: “ربما تحمل لنا الصورة بعض الحقيقة، لكن!.. العبور خلفها إلى أرض الواقع مدهش، فخلف الصورة تفاصيل رائعة لم تحتويها، ومشاعر آسرة لم نلامسها”
ولن أدعي المثالية وأعبر خلف الصورة التي أحتفظ بها لأشياء كثيرة في يومي أو في حياتي على امتدادها، فأحيانا تحتجزني هذه الصورة الأولية عند معناها الذي لمح لي ولا أحاول تفكيكها أو العبور خلفها نحو التفاصيل.
عندما تلقيت دعوة من نادي جازان الأدبي للمشاركة ضمن نشاطهم، في موسم شتاء جازان25 في أمسية سردية، سعدت بها فأنا أعرف قيمة جازان الأدبية والعلمية والثقافية في شتى الصنوف، وافقت بلا تردد، لكن الغموض في ذهني يلتحف صورة قديمة لجازان الأرض، والإنسان العادي والحياة اليومية.
ليأتي الواقع الجميل عندما تواصلت معي إحدى الأخوات التي عرفتها منذ سنوات في لقاء عابر بالرياض، إشارة تنبيه أن هناك كنوز من جمال تنتظرني.
ولم أنم ليلتها إلا بعد أن أخذتني في جولة داخل مدينة جازان ومحيطها، أبهرني ما رأيته على ضوء مصابيح كاشفة تحت جنح الظلام، فماذا ينتظرني في وضح النهار؟
مبنى الجامعة بفخامته والأمانة والمحافظة والمؤسسات المختلفة ومرورًا بشريط الكورنيش الأنيق مكانًا وإنسانًا.
ونظرًا لشغفي في الاكتشاف والتعرف، لم أنتظر حتى وقت الأمسية فأولئك قومي وأعرفهم. توكلت على الله مع ابنتي وركبنا سيارة أجرة وذهبت في جولة صباحية حرة في يوم عمل امتزج فيه الإنسان بالحياة،
لم أشعر بالغربة كأنني في الرياض تتوازى جازان معها في وثبتها الحضارية، مع فارق الهدوء، عمل دؤوب، رافعات في كل مكان، الشوارع نظيفة تنم عن ثقافة متجذرة.
اقتحمت أحد المشاريع البكر دون أن يعترضني أحد إلا بابتسامة تفيد القبول والموافقة على فعلي، مع تأهبي لأي ردة فعل واستعدادي للاعتذار.
سباق مع الزمن، هناك من يزرع الزهور وآخرون يغسلون الممرات للكشف عن أرضية رخامية غطاها الرمل، العمال يمارسون مهامهم ولم يكن وجودي مزعجًا لهم، حتى المشرفين السعوديين من أبناء المنطقة، أثارني هذا الرضا والقبول والأحاديث والضحكات التي تشي بالسعادة حتى أن الآلة كان ضجيجها مقبولًا، بينما البحر سادر بحركة هادئة، يستظل غيمة تشاكسه بمودة.
حضرت الأمسية بنشوة الصباح والشعور بما رأيت!
الإنسان في جازان يسعى حثيثًا بخطوات واسعة وهو ممسك بزمام الحضارة بيد وأصالته بيده الأخرى.
إنه الإنسان عند يتحدث فعله دون تموضع أو تصنع لفعل ما، كل شيء نابع من ذاته، يحتفي بك دون تحجير يترك لك مسافة للتحرك فيها بحرية حسب ظرفك وقدرتك.
عند زيارتي في اليوم التالي لبعض المواقع التاريخية وعند مغادرتنا سيارة الأجرة سألت قائدها: هل تصل سيارة الأجرة هنا عند طلبنا، أفادني بالإيجاب، اطمأننت وتجولت وقرأت واقعًا كان، حمله صمت الحجارة والجدران، وفي نهاية الجولة وجدت صاحب السيارة في الانتظار، استغربت! قال: عرفت إنك من خارج المنطقة أنتم أهلنا وبيننا ولكم حق الضيافة، رفض الأجرة وعرض ضيافته في المنزل والتعرف على الأهل واعتذرت لضيق الوقت، ودمعت عيناي، الحقيقة مثل هذه المواقف تهزمني، هو لا يعرف من أنا، تجلى لي الأدب والثقافة التي تجاوزت حدود النادي ومسرحه إلى عموميته بين الناس الذين رأيتهم وتعاملت معهم في أنحاء مدينة هي واجهة مشرقة للوطن، أنه كوكب جازان الأرض والإنسان، وحديث النهضة الشاملة وتحقيق رؤية دثرت الوطن من أقصاه إلى أقصاه.
فعلا العبور إلى خلف الصورة يمنحك رؤية أفضل لكل التفاصيل مهما كانت صغيرة.
حفظ الله وطننا الحبيب وقيادته الرشيدة وخطى طموحه بقيادة والدنا سلمان وولي عهده الأمين محمد بن سلمان ورجالات يعملون بجد وإخلاص.
وقفة:
تحية لأهل جازان فردًا فردًا من قمم الجبال إلى الساحل والوادي والبحر، تحية لأخوتي الكرام في نادي جازان الأدبي أ. حسن الصلهبي رئيس النادي، وأ.محمد الرياني المسؤول الثقافي، وكل من حضر الأمسية ولرديمة الفل وعبقة أ.اسماء الحازمي.
عهدُ بعودة لتلك المرابع بشوق أكبر لاكتشاف المزيد من الكنوز.