كوداك من عرش التصوير إلى الهاوية بسبب خطأ تاريخي

الاتجاه – Ai
في تحول مذهل يسلط الضوء على هشاشة حتى أقوى الشركات في وجه الابتكار، تكشف قصة شركة كوداك، عملاق صناعة التصوير في القرن العشرين، عن درس قاسٍ في عالم الأعمال. فبعد أن تربعت على عرش التصوير الفوتوغرافي لعقود، وبقيمة سوقية بلغت ذروتها عند 31 مليار دولار في عام 1975، انتهى المطاف بكوداك إلى إعلان إفلاسها في عام 2012.
المثير في الأمر، وكما يرى العديد من المحللين الاقتصاديين، أن سقوط كوداك لم يكن نتيجة مباشرة للمنافسة الشرسة أو التخلف التكنولوجي. بل يعود السبب الجذري إلى ما يوصف بأنه “أكبر خطأ تجاري في التاريخ” – قرار استراتيجي مصيري أعمى الشركة عن المستقبل وغير مسارها بشكل كارثي.
بداية النهاية: تجاهل المستقبل الرقمي؟
تأسست شركة إيستمان كوداك في عام 1888 وأحدثت ثورة في عالم التصوير بجعلها متاحة للعامة. اشتهرت بابتكاراتها مثل فيلم “براوني” الكلاسيكي وفيلم كوداك الملون. لكن المفارقة تكمن في أن كوداك نفسها كانت رائدة في تطوير التكنولوجيا الرقمية التي أدت في النهاية إلى سقوطها.
في عام 1975، أي في أوج قوتها، اخترع مهندس كوداك ستيفن ساسون أول كاميرا رقمية محمولة. ومع ذلك، لم ترَ الإدارة العليا في كوداك آنذاك الإمكانات الكاملة لهذه التكنولوجيا الثورية. وبدلاً من تبنيها وتطويرها بقوة، فضلت الشركة حماية إمبراطوريتها القائمة على أفلام التصوير التقليدية، التي كانت تحقق أرباحًا طائلة.
التردد القاتل:
يقول البروفيسور كلايتون كريستنسن، الخبير في مجال الابتكار التخريبي في جامعة هارفارد، إن كوداك وقعت ضحية لما يعرف بـ “معضلة المبتكر”. الشركات الناجحة غالبًا ما تفشل في تبني التقنيات الجديدة التي تهدد نماذج أعمالها الحالية، خوفًا من تقويض مصادر دخلها الرئيسية.
استمرت كوداك في التركيز على تطوير وتحسين أفلام التصوير، بينما كانت شركات أخرى تستثمر بقوة في تطوير الكاميرات الرقمية وتحسين جودتها وتخفيض أسعارها. ببطء ولكن بثبات، بدأت حصة كوداك السوقية في التآكل مع تزايد شعبية التصوير الرقمي.
محاولات متأخرة:
في النهاية، أدركت كوداك خطورة الوضع وبدأت في دخول سوق الكاميرات الرقمية، لكنها كانت متأخرة للغاية. فقد تخلفت عن المنافسين الذين استثمروا مبكرًا في هذا المجال، ولم تتمكن من بناء علامة تجارية قوية في سوق الكاميرات الرقمية بنفس القوة التي كانت تتمتع بها في عالم الأفلام.
بحلول عام 2012، لم تعد كوداك قادرة على تحمل الخسائر المتزايدة وأعلنت إفلاسها، لتنتهي بذلك قصة واحدة من أعظم شركات التصوير في التاريخ.
دروس مستفادة:
تقدم قصة كوداك درسًا حيويًا للشركات في جميع الصناعات حول أهمية تبني الابتكار وعدم الاستسلام لنجاح الماضي. فالتمسك بنماذج الأعمال التقليدية في وجه التغيرات التكنولوجية الجذرية يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة، حتى بالنسبة لأكثر الشركات رسوخًا وقوة.
يبقى السؤال: كم عدد الشركات العملاقة اليوم التي قد تقع في نفس الخطأ التاريخي لكوداك، وتفشل في التكيف مع موجة الابتكار القادمة؟ الزمن وحده كفيل بالإجابة.