مقالات

التعدد… حكمة ورحمة لا هوى ورغبة

 أميمة عبدالعزيز زاهد

جاء التشريع الإلهي للتعدد في آيات بيّنات من سورة النساء، في سياق معالجة قضية اجتماعية إنسانية عميقة، وهي مشكلة اليتامى. فقد استشهد كثير من الصحابة رضوان الله عليهم، وخلفوا وراءهم أرامل وأطفالًا بلا عائل، فاقتضت حكمة الله أن يكون الزواج وسيلة لرعايتهم وصون حقوقهم. يقول تعالى:

﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾ [النساء: 3].

فالآية تقرن الإباحة بالتحذير، وتضع شرطًا قاطعًا: العدل. وهو عدل يتجاوز النفقة والمأكل والملبس إلى أعمق من ذلك: عدل في المشاعر، وإنصاف في العاطفة، وحفظ لكرامة المرأة. ولهذا جاء النص القرآني صريحًا: إن خشيتم الميل أو عجزتم عن القسط، فالأَولى أن تكتفوا بواحدة، “ذلك أدنى ألا تعولوا”.

إن التعدد لم يُشرع لإشباع نزوة عابرة أو نزعة أنانية، فالله الذي خلق القلوب لم يغفل مشاعر المرأة، ولم يكن من حكمته أن يقهرها أو يذلها. إنما جاء التعدد لحِكَم اجتماعية راقية: رعاية اليتامى، صون الأرامل، مواجهة ظروف إنسانية قاهرة. أما أن يتحول إلى لعبة هوى أو وسيلة لإثبات رجولة زائفة، فهو ظلم للمرأة، وتشويه لجمال التشريع.

وقد يسأل سائل: لماذا فطر الله الرجل على الميل للتعدد، وفطر المرأة على الغيرة منه؟ يبدو الأمر متناقضًا، لكنه في الحقيقة توازن حكيم. فلو لم يُخلق الرجل بميل للتعدد، لما لجأ إليه عند الضرورة. ولو لم تُفطر المرأة على الغيرة، لما وُجد كابح يمنع الرجل من الانجراف وراء رغبته بلا ضابط. إنها معادلة دقيقة تحفظ التوازن، وتُرشد إلى أن القرار ليس حقًا مطلقًا للرجل، بل مسؤولية يتشاركها الطرفان بوعي وعدل.

وما أعسر هذا العدل في الجانب العاطفي، وهو ما أشار إليه القرآن بقوله: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ [النساء: 129]. هنا يبرز صوت الحكمة: أن يعرف الرجل حدوده فلا يظلم، وأن تدرك المرأة قيمتها فلا تُهان. فالزواج ميثاق غليظ، لا يحتمل عبث الهوى ولا استهتار النزوات.

المرأة كائن عاطفي فريد، منحتها الفطرة قلبًا واحدًا يمنح الحب كله لرجل واحد.

أما الرجل، فمسؤوليته أن يكون راعيًا لهذا القلب، لا كاسرًا له. والزوجة الذكية ليست من ترضى أن تُزاحم على مكانتها، بل من تدرك أن قيمتها لا تقاس بعدد المنافسات، بل بمساحة الرحمة والمودة التي تحتضن بها بيتها وزوجها وأبناءها.

إن التعدد ليس وسامًا للرجل ولا وصمة للمرأة، بل تشريع إلهي محكوم بالعدل، ومشروط بالقسط، ومقصود به الرحمة قبل كل شيء. فإذا فُهم في سياقه الصحيح، صار بابًا لحماية الأرامل ورعاية الأيتام وصون القيم. أما إذا أسيء استعماله، فلن يجلب إلا اضطراب القلوب وغياب السكينة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com