رواية “ثمن التضحية” لحامد دمنهوري في ندوة ببيت الرواية السعودية

الاتجاه – جدة
واصل بيت الرواية السعودية مناقشاته الأدبية النقدية الشهرية، حيث عقد ندوة مناقشته الافتراضية الثالثة، حول رواية “ثمن التضحية” للكاتب حامد دمنهوري، الذي يُعد أول روائي سعودي، ودار الحوار والمداخلات على النحو التالي:
الرواية ترصد نقاط التحوّل في المجتمع السعودي
بدايةً …. قدّم القاص الناقد أ. الصادق محمد عبدالرحيم، من السودان ورقة نقدية، قال فيها:
من البداية يشعر القارئ بالواقعية المفرطة في تناول الأحداث ووصف الأماكن والشخصيات.
تبدأ الرواية بيوم في حياة أسرة سعودية بسيطة، تمارس طقوسها في الأكل والعبادة والعمل والدرس. طريقة تفكير كل عضو في الأسرة تتناسب مع عمره ومستواه التعليمي وخبراته في الحياة وما اكتسبه من أسلافه.
ثم ينتقل بنا المؤلف للسوق ولمنزل عبدالرحيم عم أحمد (وأحمد هنا الشخصية المحورية)، ثم المدرسة وشقة طلاب يدرسون في جامعة مصرية ومنزل أسرة مصرية. ومثل المؤلف هنا كمثل رسام ينقل لوحاته من صور فوتغرافية.
يصحب كل ذلك تطور درامي بطيء وتصاعد للأحداث، لكنه مؤثر ومشوق يحث القارئ على المتابعة.
الرواية تحكي قصة أحمد الذي خطبت له ابنة عمه فاطمة منذ مولدها، كما هي العادة في المجتمع السعودي.. وعندما كبرت فاطمة، تقدم لها خطاب كثيرون. فتتفق الأسرتين على عقد قران أحمد وفاطمة على أن يؤجل دخوله بها بعد إكمال دراسته الجامعية.
يسافر أحمد لمصر لدراسة الطب. وهناك تتوطد الصداقة بينه وبين زميل مصري اسمه مصطفى عدلي ويتبادل معه الزيارات في بيتهم.. يتعرف أحمد بفائزة أخت مصطفى. فائزة في ملامحها تشبه فاطمة. وهي تدرس في الجامعة وتقرأ كتب الأدب وتمارس الرسم، مقارنة بفاطمة التي درست في الكتاتيب ولا تفقه شيئاً عن الآداب والرسم. وهي هوايات قديمة محببة عند أحمد. يميل أحمد لفائزة ويرى فيها فاطمة الأخرى التي يريد لها أن تكون.. ويفكر بشدة في هجر فاطمة والزواج من فائزة.
لكن أحمد أخيراً يقرر الابتعاد عن فائزة، لأنه مرتبط بابنة عمه فاطمة.. فيضحي بحبه الطارئ لفائزة، وتكون فاطمة هي ثمن التضحية. ولعل ذلك يرمز للتمسك بالوطن، رغم تخلفه، ووجود رغبة في تطويره وتقدمه.
الرواية ترصد نقاط التحول في المجتمع السعودي، واتجاهه لتعليم الأولاد حتى المرحلة الجامعية واحترام الوظيفة الحكومية مثلها مثل الأعمال الحرة، والانفتاح نحو المجتمعات الخارجية، مثل زواج الأبناء من بنات الدول العربية المجاورة.
تسلسل الأحداث حسب التراتب الزمني. والحوار بين الشخصيات باللغة الفصحى وهناك توازن بين الجمل السردية والجمل الحوارية. الشخصيات الثانوية لها نصيب من الوصف الخارجي وتصوير أبعادها النفسية والاجتماعية.
احتوت الرواية على وصف للأمكنة، فجعلتها نابضة بالحياة، فكأن الأمكنة هنا شخصيات ثانوية. واحتوت الرواية على أسماء الأماكن مثل سوق سويقة ومقاهي جرول والبرحة وزقاق الكرات (وهي مقاهي في السوق) وأم سلم وبجرة وحداة والشمس (وهي مقاهي صغيرة على الطريق الصحراوي).
كما احتوت على أسماء الأزياء والأدوات الشعبية التراثية، مثل الخوان والسماور والشرشف والبوال والبرزة والغترة والعقال والبقشة (التي تحملها المرأة على رأسها).
كما حوى السرد استخدام أفعال عامية مثل الغطرفة (الضجة) ويعكز في سيره ( يتمايل). وكل ذلك أضفى على الرواية صبغة ونكهة محلية سعودية.
كاتب الرواية تخلص من موجة الرومانتيكية الجديدة ليبحر في الواقعية. وهذه الرواية تعتبر طفرة في الأعمال السردية السعودية، إذا قورنت بالروايتين السابقتين” التوأمان” لعبدالقدوس الأنصاري و” ذكريات دامعة” لسميرة خاشقجي التي تمت مناقشتها في الندوتين السابقتين في بيت الرواية السعودية.
….
الرواية بلغة بسيطة وسلسة ما جعلها قريبة من القارئ
وتقرأ الروائية (صباح فارسي) هذا العمل من زاويتها … فتقول:
رواية “ثمن التضحية” للأديب السعودي حامد حسين دمنهوري، الصادرة عام 1959م (1378هـ)، تعد من أوائل الروايات السعودية المكتملة العناصر الفنية، حيث تناولت التحولات النفسية والفكرية التي طرأت على بطل الرواية بعد عودته إلى مكة المكرمة حاملاً شهادته الجامعية من مصر. تدور أحداث الرواية بين حارات مكة خلال الستينات والسبعينات من القرن الرابع عشر الهجري، وزخرت بالعديد من الملامح التاريخية لمكة، حيث عرض المؤلف مظاهر الحياة المكية كما رآها وعاشها، إضافة إلى استرجاعه لبعض الأحداث التاريخية على لسان بعض الشخصيات. كما تناولت الرواية الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتأثيرها على مصائر الشخصيات، مما أضاف بعدًا اجتماعيًا وإنسانيًا إلى القصة.
تميزت الرواية بلغة بسيطة وسلسة، مما جعلها قريبة من القارئ، مع طابع رومانسي ووجداني يعتمد على التعبيرات العاطفية القوية والسرد الوصفي الذي ساعد في رسم المشاهد والأحداث بدقة، إلى جانب الحوارات التي عززت البعد النفسي للشخصيات.
أما الأحداث، فتدور حول الصراع بين الحب والتضحية، حيث يجد الأبطال أنفسهم أمام قرارات مصيرية تؤثر على مستقبلهم، وتسير وتيرة السرد بهدوء وتصاعد تدريجي يسمح بتطور الشخصيات وعرض مشاعرها بعمق، متخللة بلحظات درامية مؤثرة تعكس الصراع الداخلي بين المشاعر والواجبات الاجتماعية.
ورغم أن بعض النقاد رأوا أن الأحداث متوقعة وتقليدية مقارنة بروايات أخرى، فإنها تحمل بعدًا أخلاقيًا وإنسانيًا يجعلها مؤثرة في القارئ.
حملت الرواية بعض الملامح الوعظية غير المباشرة، حيث نقل الكاتب رسائل حول الوفاء والتضحية والواجب الأخلاقي، وتم ذلك بأسلوب قصصي يعتمد على تطور الشخصيات والأحداث بدلًا من تقديم مواعظ مباشرة، مما منح الرواية نزعة أخلاقية واضحة دون أن تكون ثقيلة على القارئ. استقبلت الرواية بلهفة من الجمهور، ونفدت طبعتها الأولى في فترة وجيزة، كما ترجمت إلى عدة لغات، وكتب حولها عدد من الدراسات النقدية، ويُنظر إليها كقفزة فنية وبداية واعدة للتطور الفني في صناعة الرواية السعودية.
…….
بصمة البداية الفعلية للرواية الفنية السعودية، زاوجت الأدبي بالتاريخي
ويقول القاص بخيت طالع الزهراني: تعتبر رواية (ثمن التضحية) للمرحوم الكاتب حامد دمنهوري واحدة من أجرأ الأعمال الروائية في ذلك الحين، في وقت كان فضاء الأدب السردي يكاد يقتصر على مجال القصة، حيث برز قاصون في عدد لا بأس بهم، ضمن قائمة كان على رأسها بعض الكتاب التقليديين ومنهم أحمد السباعي، كما أورد ذلك الكاتب إبراهيم الناصر الحميدان في مقال له بصحيفة الوطن الخميس 02 مارس 2023
ورواية (ثمن التضحية) للكاتب حامد دمنهوري، كان أصدرها عام 1959 ونشرته دار الفكر بالرياض، واعتبرت أول رواية سعودية رصد فيها التحولات النفسية والفكرية، التي طالت بطل الرواية بعد عودته إلى مسقط رأسه بمكة المكرمة، حاملا شهادته الجامعية من مصر، ورأى عدد من النقاد أن الرواية بمثابة سيرة ذاتية للكاتب دمنهوري، وترجمت إلى الإنجليزية والألمانية والروسية
والرواية تدور حول حارت مكة وأزقتها في ستينات وسبعينات القرن الـ 14 الهجري، ساردا الكثير من مظاهر الحياة الثقافية والاجتماعية، في أسلوب أدبي مقرون بملامح تاريخية وتراثية، من بينها ما عاشه وراه وكذلك ما نقله عن رواة كبار سن، حيث رووا ما عرف بحرب الترك، وأثارها الصعبة على المكيين من حيث تناقص الغداء بل وقطع امداداته ف عدة مرات.
وينقل دمنهوري في روايته مشاهد من صور العصامية والإصرار على التماهي مع طموحات العصر، حيث نقل لنا مشهد عثمان – معلم البناء – الذي نصحه جاره بان بلحق ابنه بدراسات أعلى ليحصل على شهادة جامعية بدل ان يظل بجانبه ويرث مهنة أبيه، في تحول مفاهيمي اجتماعي يجسد التضحية ثمنا للنجاح، في مشهدية يؤكد على تحول اجتماعي في استشراف المستقبل بعيون حصيفة.
ويطوف الكاتب بالقارئ الى ملمح مكي أخر بعد القرار بهدم شارع المسعى خدمة لزيادة مساحة الحرن الشريف، وحيرة التجار في ماذا سيفعلون بعد هدم محلاتهم التجارية، والرواية توثق ثمن التضحية.
ويحسب لحامد دمنهوري ريادته في الرواية السعودية، كون (ثمن التضحية) أول رواية سعودية، ويعدّه نقاد بأنه أديب شمولي لم يقتصر على جنس واحد، بل تنوع عطاؤه رغم حياته القصيرة 45 عاما. لكنه وضع بصمة البداية الفعلية للرواية الفنية في السعودية. ولهذا وُصف حامد دمنهوري من قبل بعض النقاد بأنه أبو الرواية.