مقالات

قراءة لرواية “رجل يبحث عن أنثى”

محمد علي مدخلي 

السعادة حسن اختيار وليست مجرد مشاعر …

‏ثمة عناصر عديدة لافتة في رواية “رجل يبحث عن أنثى” للكاتبة السعودية د. سونيا مالكي، إذ تبدأ بإهداء “إلى الرجل الذي لا يهمه في المرأة إلا أن تكون جميلة” وتنتهي بخاتمة يحمل غلافها عبارة “السعادة قرار وليس مشاعر فقط”.

‏للوهلة الأولى تبدو رواية “رجل يبحث عن أنثى” كلاسيكية نوعًا ما، إذ تلقي الضوء على حياة كمال، ذلك الشاب المندفع في قرارات زواجه، ويبدو واضحًا تمامًا أن البطل زير نساء، مولع بعلاقات متعددة مع الجميلات في إطار الزواج، رغم أن أخوه التوأم جمال شخصية ناجحة ومستقرة.

‏يأخذنا عنوان الرواية إلى فضاء من التساؤلات عن الدلالات، التي تسعى الكاتبة إلى ترسيخها في ذهن القارئ، منذ الوهلة الأولى، “رجل يبحث عن أنثى”، فكيف تكون رحلة البحث؟ وماذا تقصد بتلك الأنثى؟ وهل هي لسبر أغوار أنثى بعينها أم ثمة دلالات أخرى؟

هذه الأسئلة يثيرها العنوان، وحين التعمق في السرد يتفكك العنوان لصالح مشهدية الرواية، وتعبيرها عن دلالات العنوان المتوافق مع السياق السردي. إن الحصول على أنثى تقاسمك الحياة تعني الشعور بالسعادة والانبساط الذي يشعر به المرء.

‏أسهبت الكاتبة في وصف حياة كمال المفعمة بالقرارات غير الناضجة رغم موهبته الصحفية ونجاحه التجاري الكبير.

‏تتوالى مغامرات كمال المعقدة في أحد عشر فصلا، حتى الصفحات الأخيرة من الرواية، ليجد القارئ نفسه يلهث من متابعة الأحداث المتلاحقة، ويكتشف أن السعادة الزوجية لا ترتبط بجمال أو جاه.

‏ولا تقتصر الرواية على إلقاء الضوء على حياة كمال، وإنما تطرح أيضا أسباب العلاقات الشائكة بين الأزواج وكثرة الطلاق .. منها ما هو بسبب إهمال الحقوق والواجبات بين الزوجين، أو التكافؤ في العمر والنسب. ومنها ما هو بسبب تدخل الأهل بين الزوجين الوضع المالي للزوجين .. كما أن هناك أسباباً أخرى متعددة تطرقت لها الكاتبة.

‏الحبكة التي استخدمها الكاتبة في روايتها تضع القارئ في حيرة حقيقية، حيث يجد أنه ما إن يصل إلى نقطة ذروة الأحداث، وأن البطل استقر على زوجة، حتى يفاجأ بأنه لا يزال هناك المزيد، وأن الذروة ليست تلك التي ظن أنه بلغها.

‏وتلجأ المؤلفة إلى الدراما النفسية في العمل، حيث يظهر بشكل غير مباشر أثر مرحلة الطفولة، وما يتعرض له المرء خلالها ودور ذلك في تكوين الشخصية لاحقًا.

‏وتحمل جميع الشخصيات في الرواية تقريبًا سمات البطل الثانوي والداعم للبطل التراجيدي الكلاسيكي “كمال”.

770

‏كمال رغم نجاحه وشهرته في التجارة والصحافة، إلاّ أنه زوج فاشل بلا حكمة لا يتورع عن الطلاق، وتكرار الزواج، لكن القارئ لا يملك سوى أن يتعاطف معه في بعض الأحيان، خاصة فترة وفاة زوجته” ايديل” والتغير الهائل الذي طرأ عليه بسبب هذه المحنة.

‏إذ كانت “ايديل “الزوجة المخلصة”، والتي تبدو مثالية الشخصية من جميع الأركان. قد ينتقد البعض إخفاء مرضها بالقلب عن زوجها، وإن كان ذلك مبررًا نوعًا ما، بسبب الضعف البشري الذي يظهر مدى هشاشتنا الداخلية وتعلقنا بأي طوق نجاة. ولا يقتصر الأمر على الدراما النفسية وملامح التراجيديا الواضحة في الفصل الرابع في الرواية، بل أن الرواية في مجملها يغلب عليها طابع الإثارة والغموض والتشويق وهو ما يجعل منها عملا متعدد الأوجه.

‏تعالج الرواية من خلال المشاهد المتتابعة التي تتنقل بين الأماكن من مقطن كمال وأسرته، إلى انجلترا فالأناضول ثم القاهرة فالمغرب وأخيرا العودة إلى الوطن، فالأسماء والأحداث التي تتنوع فيها الأزمنة بين الخطّي والاسترجاعي والتي تمتزج فيها أحداث متسارعة لتسرد حكاية رجل مزواج لعبت به الأقدار وحملته إلى المجهول.

‏أخيرا استطاعت الرواية أن تسلط الضوء على الصور النمطية للزواج، بل ساهمت في طرق العديد من المحاور والقضايا الجدليّة، ومنها:

 الزّواج التقليديّ غير المتكافئ، قضايا الطلاق وأسبابه وآثاره، عقدة العمر والخوف من العنوسة، نظرة المجتمع للمطلق والمطلقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com