الأغنية السعودية بين الماضي المجيد والواقع المأزوم

رغم تاريخ الأغنية السعودية الغني بإبداع الملحنين والمطربين الكبار، إلا أن المشهد الحالي يعاني التكرار، بفعل غياب الإنتاج الجاد، والأصوات الشابة لم تصنع هوية جديدة، والسوشيال ميديا زادت من ظاهرة الشهرة المؤقتة.
الجيل المؤسس وبناء الهوية
في الساحة الغنائية السعودية تبقى الأسماء الفنية اللامعة متصدرة، فهي التي أسست أعمالاً خالدة ما زالت تُتداول حتى اليوم. وحينما نتحدث عن الأغنية السعودية الحديثة الخالدة، فإننا نتحدث عن حقبة زمنية شهدت إنتاجاً غزيراً ومتنوعاً وفريداً في الألحان والكلمات.
ساهم في تلك المرحلة كبار الملحنين والشعراء والمطربين، من الصف الأول، والتحق بهم لاحقاً نجوم من الصف الثاني الذين أضافوا ثراءً لا يمكن تجاوزه أو حصره.
ما بعد 2010.. غياب الدماء الجديدة
منذ عام 2010، لم تُجدِّد الساحة الغنائية السعودية دماءها بأسماء جديدة قادرة على صناعة أعمال نوعية ترسخ في ذاكرة المستمع. صحيح أننا شهدنا بروز أصوات جميلة، لكنها بقيت محدودة في قدراتها الإبداعية، ولم تتمكن من صياغة هوية غنائية راسخة.
الأسباب متعددة:
-
غياب شركات الإنتاج الراعية للمشاريع الفنية طويلة المدى.
-
الاعتماد على الشهرة السريعة عبر السوشيال ميديا.
-
الصعود دون تأسيس قاعدة صلبة، مما يؤدي إلى انهيار سريع وعدم الاستمرارية.
أزمة النصوص وتشابه الألحان
حينما تُبث الأغاني عبر الإذاعات أو المنصات، يجد المستمع صعوبة في التمييز بين عمل وآخر بسبب التشابه الممل في الألحان والأفكار.
تدور النصوص في فلك متكرر: الغياب، النكران، الحب، الخيانة، وأحياناً إدخال مفردات دخيلة مثل الشتم واللعن.
كما أن بعض الأصوات الشابة تعيد غناء أعمال كبار الفنانين وتنشرها عبر منصات التواصل من دون اعتبار لحقوق الملكية الفكرية، مما يوهمهم بالنجاح المؤقت، بينما الحقيقة أن المستمع معجب بالعمل الأصلي لا بالأداء الجديد.
وهم السوشيال ميديا
من أبرز الظواهر السلبية اليوم ما يمكن تسميته بـ التسويق الوهمي.
فالفنان الشاب قد يفرح بملايين المشاهدات على يوتيوب خلال أيام معدودة، غير مدرك أن هذه الأرقام يمكن شراؤها بسهولة عبر خدمات رقمية مدفوعة. وبعد فترة قصيرة يخفت العمل ولا يُتداول، فيدخل الفنان في صدمة بين النجاح الوهمي والواقع.
أما في تطبيق “تيك توك”، فلا يُصفَّق للمطرب الشاب إلا إذا أدى أغنية قديمة مكتملة سبق أن نجحت. وهذا يضع معياراً صارماً: الجمهور يتوقف عند الأغنية نفسها، لا عند صوت مؤديها.
الحلول المقترحة
للنهوض من هذا المأزق، لا بد من العودة إلى الخارطة التقليدية للعمل الفني:
-
الشاعر، الملحن، الموزع، والمطرب يعملون معاً على إنتاج عمل متكامل.
-
أن تكون الأغاني مصرحاً بطرحها ومجازة من هيئة الموسيقى، مع إنشاء وحدة متخصصة بمنح تراخيص للأعمال الصوتية الجادة.
-
تقليل الاعتماد على الترويج الرقمي القصير الأمد، والتركيز على تأسيس مدرسة فنية جديدة تُعيد للأغنية السعودية هويتها وأصالتها.
مقال : فواز المالحي