مقالات

قراءة في مجموعة (سَورة حُب) لإبراهيم مضواح

قراءة: هاني الحجي

مجموعة قصصية تتناول (أوجاع الإنسان الكبيرة من خلال سيرة أشيائه الصغيرة)

(سَورة حُب) مجموعة قصصية للأديب إبراهيم مضواح الألمعي، جاءت في (86) صفحة، واشتملت على ثلاث عشرة قصة قصيرة

عتبة النص (العنوان والغلاف)

العنوان (سورة الحب) قوته واندفاعه، وهي الخيط الذي يربط أبطال القصص في المجموعة.

مساحة الغلاف تأخذ لون (البيج) وهو كما في علم ـ نفس الألوان- من الألوان التي تمتلك خاصية تجعله يتوافق مع كلٍ الألوان الباردة والدافئة، والأساسية في كل مكان، وذلك لسهولة دمجه مع الألوان الأخرى، ويستخدم في المساحات الواسعة، فهو يعطي شعوراً بالاسترخاء والهدوء والسكون التام، وكأن الكاتب يهيئ المتلقي لنصوصه بأنه سيقرأ عن شخصيات مختلفة في مزاجيتها وسلوكها الذي يجمع بين الخير والشر، ويمهد لنفسيته ونظره قبل قراءة القصص المجموعة لينقله لأجواء الاسترخاء.

يعبر لون (البيج) أيضًا عن شخصيات بعض القصص الهادئة والمتصفة بالرزانة والعقلانية مع القناعة بالواقع الذي تعيشه والواثقة من نفسها، وأيضًا تدل على شخصيات أخرى متشبثة بالحياة، وتتميز بالبراءة والطيبة.

توجد وسط الغلاف لوحة فنية تعبر عن بداية الغروب ينعكس على بقع مضيئة ومنيرة متبعثرة في اللوحة، وهي إسقاط عن رمزية استمرار الحياة حتى مع أفول شمس التفاؤل عند البعض، وتمزج اللوحة بين الألوان الحارة والباردة كأنها تعكس حالة الصراع بين شخصيات المجموعة وواقعها في الحياة.

حينما ندخل إلى المجموعة لا نجد إهداء أو مقدمة لكن توقيع بخط الكاتب الأنيق الذي يعكس ـحسب المختصين ـفي قراءة الخطوط أن صاحبه موضوعي وعملي وكذلك غير متطرف في آرائه، ودقيق في ملاحظة التفاصيل، وهذا يتضح من خلال شخصيات القصص في المجموعة

دمج المؤلف الإهداء بعنوان المجموعة (سورة حب) فكأن العنوان جاء بصيغة الإهداء (بسورة حب) لمن حوله.

  أول قصص المجموعة (الجرادة) ينتصر فيها للإنسان الضعيف المنكسر بصوت القوة الخارجية والد (حامد) حينما يأتي ليسأل أحد الأولاد، وهو مطبق على يده بقوة لماذا يسخر من ولده؟ بينما تحول ذلك الولد الساخر الى ريشة تنتفض في قبضة والد حامد

يمثل (حامد) صوت الإنسان المستضعف المنكسر، وتستغل ضعفه مجموعة من الطلاب المحيطين به وهم يمثلون نموذج من العناصر البشرية التي تستغل الشخصيات الضعيفة بكل أنواعه، ومنها السخرية وجعله مادة للتسلية لهم لكن الكاتب ينتصر بالقوة، وهو (الأب) الذي جاء لينقذ ابنه، وهنا يريد أن يؤكد أنه لابد في الحياة من قوي ليحمي الضعيف ممن استغله، وإلا سيظل فريسة، وهذا ما تعكسه القصة في تغييب الشخصية الضعيفة (حامد) فلم تصفه القصة سوى على لسان والده (القوة) التي ستحمي ضعفه!

” لماذا تسخر من ملابسه وكلامه”، ويطرح المتلقي تساؤلاً ماهي ملابسه؟ وكيف يتكلم؟ وماهي صفاته التي جعلته محل سخرية والطلاب يلقبونه بالجرادة؟ لكن القصة غيبت شخصيته ودوره لتشير إلى أن الضعفاء مغيبون عن أدوارهم في الحياة، وأن الصراع حولهم يكون بين القوة المتمثلة بالأب في القصة، وبين من يستغبونه ويستضعفونه (الطلاب)، ولكن التساؤل ماذا لو كان (حامد) هذا يتيمًا لا يوجد له أب يحميه هل سيظل مسحوقًا ؟! أم سيأتي معلم أو فتوة ليدافع عنه بمقابل أو بدون مقابل ؟!

قصة نجحت في تصوير الصراع بين القوي والضعيف في الحياة

2 9

نأتي لقصة (لحظة فاصلة)، وهي لوحة سوريالية فنية لصراع الإنسان في داخله رسمها الكاتب بفرشاة فنية، ولكن استخدم الحروف بدلاً من الألوان يعيش البطل في لحظة تجلي مع الذات في غرفة يتخيلها واسعة وهنا هي (الحياة) سقفها بعيد ثم يدنو كلما حدق فيه حتى يلامس صدره وتضيق أنفاسه.

 يعيش البطل حالة مراجعة للذات عبر مسيرته في حياته ولحظة وقفة صادقة مع النفس واسترجاع للأحداث التي مربها طوال عمره.

(تطل علي أخطائي، خطاياي تمد ألسنتها بشغف مقيت، تتضخم لحظات الندم، أبدو لنفسي شيئا تافهَا، أتذكر مواقف لؤمي، ترتسم على الجدران وجوه أناس آذيتهم، وآخرين خذلتهم) .

أشبه ما يعيش البطل- كما تصوره -القصة بلحظات الاحتضار، ويسترجع شريط ذكرياته، ولحظات الندم عما اقترفه في مشوراه، ولكن السقف يستمر في الضغط على صدره حتى يتلاشى، وهو ينفذ إلى الفضاء، وهنا تخرج الروح من سقف جسدها لتحلق إلى الملكوت الفضاء، والبدء في التخفيف من  قيود الجسد الدنيوية، واستعادة لحظات التذكر والحنين للأحباب في الحياة الدنيا قبل عروج الروح وأيضًا –كما ورد – في الأثر من روايات عن لحظات طلوع الروح ونظر الانسان لمن حوله.

 وتصف القصة هذه اللحظات

(السماء مرصعة بوجوه أتذكرها جيدًا؛ أمي هنا تمد إلي يديها، أنظر إليها بعيني غريق، ألتفت إلى وجوه صغاري هناك يجللهم اليتم؛ أهوي ..أهوي. أهوي)

صورة مؤلمة للحظات فراق الأحباب يظل الإنسان متمسكًا بحبل أجمل ناس عاش معهم في الحياة والدته وأطفاله.

 اذا كان المنفلوطي في قصته “اليتيم” اختار أن الحياة تحرم الحبيبين من الاجتماع، فكان الموت أكثر رحمة بهما فإن (مضواح) في قصته (معارك صغيرة) كان أكثر رحمة بهما حينما قبلت هي بعد أن شرح لحبيبته كل ما يعيشه من لحظات ضعفه وانكساره، إلا أنه يخشى من المستقبل.

يسرد في قصة (معارك صغيرة) تفاصيل أوجاع كبيرة ليتيم يعيش مع زوجة أبيه القاسية، وهو يصف في مشهد إنساني حنين اليتيم لوالدته بعد دخول زوجة أبيه للبيت “حين دخلت امرأة أخرى تأكدت أن أمي لن تعود أبدًا أراقب السماء وقلبي يرتجف كلما تذكرت ساعاته الثقيلة والوحشة تتسرب إلى غرفتي من النوافذ ومن تحت الأبواب….”

تصف القصة تفاصيل يوم (اليتيم) منذ الصباح واستيقاظه على صوت أبيه بدلاً من أن يسمع صوت أمه توقظه، ويبدأ يومه بانكسار يبحث في زوايا الغرفة عن صوت والدته، فلا يجده ويتذكرها في كوب الحليب والفطور الروتيني الذي أُعد له بشكل روتيني، ولم يجد فيها روح ونظرات والدته الحنونة، ولكن يجد قسوة زوجة والده! .

حينما يذهب للمدرسة لا يشكو مع زملاءه من معلم الرياضيات، وفي المرحلة الثانوية طرده المدرس حينما فرح لهزيمة فريقه، لم يفهم الطلاب، ولا معلم الرياضة أن (اليتيم) لم يعد يهتم بهذه التفاصيل الصغيرة التي أشغلتهم فهو فقد إحساس أغلى إنسانة في الوجود والدته فكيف سيشعر حتى بضرب المعلم ليده التي ظلت متخشبة، ولم تنزل وكيف سيفرح لفوز فريقهم، وهو الذي يهزم كل يوم بركلات زوجة والدته اللفظية، ويشعر بخسارته الكبرى لغياب صوت والدته قبل نومه وحين استيقاظه، ولكنه سيعيش هذه اللحظات بمفرده في المساء حينما يضع رأسه على وسادة ذكريات والدته، ويحتضن فراشها ثم يشكو إليها كل ما واجهه في تفاصيل يومه الصغيرة، سيحكي لوالدته عن كل شيء وسيضمه طيفها حتى يواسيه في حلمه.

كتب لزوجة المستقبل رسالة يكشف لها عن نفسيته المهزومة والمثلومة بفقد والدته، بشفافية المنكسر وبمرارة المكاشفة ليعتذر لها عن المستقبل الذي قد يرسم جرحه في أولاده، ولكن على عكس قصة (المنفلوطي) تعلقت به الفتاة أكثر، واعتبرت أن يوم زواجهما سيكون يوم عودة الأم الغائبة، لكن هيهات تعوض الزوجة غياب الأم الوالدة.

(حيره تعلقها به، وقد تعرى من كل البطولات، أشفق عليها…)

1 9

وتناول المؤلف في قصة (المصروف) صعوبات الحياة للأب الذي يشقى بطلقات الرصاص من مسدسه في هذه الحياة ليحصل على مصروف أولاده، وتناول في قصة (الراحل) تفاصيل الفراق بين الأصدقاء.

 يقول الفيلسوف ميشيل إرمان -في كتابه الذي يحمل عنوان “أواصر الصداقة”-إن “الصداقة التي تنتهي تُغرقنا في فراغ لا نفهم سببه؛ إنه أمر مقلق كوننا لا نتوقع ذلك. وعندما نكون في علاقة عاطفية، نكون على علم باحتمالية انتهاء القصة؛ نظرا لأن الحب يعتمد على تقلبات العاطفة، بينما تقوم الصداقة على أساس المنطق ودماثة الخُلق”

قصة (الراحل) تحكي وجع فقد الصديق حينما اجتمع الرفاق، وتحدثوا عن كل شيء الا صديقهم الراحل لم يتم ذكره بينما كان حاضرًا بكل تفاصيله معهم في نكاته وأحاديثه، وهنا وجع الغياب في الحضور أكثر ألمًا من حضوره وذكره مع وجع الغياب.

قصة (الرصيد) لها عدت زوايا حول إغراء الشخص في البداية من (البنوك) ثم رميه للخارج بعد التخلص منه ـ لاأعرف ـ لماذا قرأتها من زاوية الموظف حينما يقدم لطلب قرض من البنك يتم استقباله بالورود والابتسامات والموسيقى من قبل رجل أنيق وفتاة جميلة، عندما عرف رقم المبلغ الذي سيودع في حسابه شعر بالسعادة، وبمجرد وصول رسالة بإيداع المبلغ في حسابه لم يشعر بأي بهجة !

تناولت قصة (في المقهى) –كاركتر- للشخص البخيل والجشع وصورة للإنسان البسيط الذي لا يملك في جيبه من بقايا راتبه لدرجة أن صاحبه حاسب عنه، وطلب بعفوية أن يحاسب عن الشخص الذي كان يجلس معهم بحالته البائسة لكن صاحبه أخبره أن هذا الرجل هو مالك المجمع التجاري نفسه.

قصة (الفستان المكي) يقول الناقد مصطفى الضبع “السرد فعل إنساني ما في ذلك شك، لكن السؤال الذي يعيد فهمنا لعملية السرد وبالتالي يوسع من وعينا بالنص الأدبي، هو هل يستأثر الإنسان بمفرده بعملية السرد؟ وقد أجاب عنه نقاد كثيرون بالنفي ومنهم من تطرق إلى سرد الحيوان أو الأشياء وغيرها من عناصر فاعلة في عملية السرد ولها رمزيتها ووظيفتها”.

تنطبق رؤية (الضبع) على قصة (الفستان المكي) في سردها لسيرة الأشياء حينما يسرد علاقة الفستان بالذي يرتديه وليس العكس، يسرد الفستان تفاصيله من بداية الاقتناء من قبل ذلك الرجل ومفاصلته للبائع حتى كبرت تلك الفتاة التي اقتناه لأجلها.

 كان الفستان هو الذي يبكي ويضحك ويبتهج ويتألم حتى لم يبق منه سوى خيوط ذابلة.

كما يقول الضبع أن النص عندما يحكي فإنه يحكي عن الإنسان في محيطه الحيوي، ذلك المحيط المتضمن الإنسان وأشياءه، ويرصد العلاقة القائمة هناك بين البشر وأشيائهم، وبين الأشياء ووظائفها وقدرتها على تصوير راهن الحياة، وتشكيل ثقافة الإنسان، وجغرافية الفضاء الحكائي ومن قبله الفضاء الإنساني، ويؤكد أن هناك الكثير من النصوص السردية التي رصدت الأشياء متحركة بين مفهومين: أشياء الحكاية، وحكاية الأشياء.

اختزلت قصة (سورة حب) مسافة سبعين عامٌا لبطل القصة في لحظة سؤال

(وماذا يعني أن أكون في السبعين وهي في الستين؟!) هكذا يظل الحب بجذوره الراسخة في قلب العاشق رغم كل ألم التضحيات لأجل الحبيبة، إلا أن شجرة الحب تظل مثمرة مهما جف عنها ماء لحنين وأحرقتها سنوات الانتظار، وتم رميها بحجارة الحرمان

تبدأ القصة برواية البطل لحكاية عشق دافئ

(سأحكي لها الحكايات التي ارتجأتها؛ لدي رصيد من الحكايات التي كتمتها في صدري……)

يرحل البطل لأجل أن يجمع مهر زواجهما تجره الأحلام عبر شاحنة تصف تداعبه تفاصيل أحلام المهاجر لأجل أن تتحقق أمنيته بزواج من يحبها

(ترى هل راقبت القمر تلك الليلة ؟ توهمها تنظر إليه من نافذتها كما أنظر إليه أنا من فوق شاحنة تهيم في الصحراء، شعرت أنها تشاركني النظر إليه….)، ويصور تناقض المشاعر بين ألم الرحيل وأمل الحصول على الأمنية بزواج من يحب ” سأحكي لها عن الندم الذي انسكب كالسديم فملأ نفسي ضجراً، فتمنيت أن أستطبع العودة…..)،ويوجعه في غربته سماعه خبر زواج المرأة التي تغرب لأجلها لكنه يجد لها عذرها

“سأخبره أنني لم أحقد عليها فقد بلغني مع خبر زواجها ما تعرضت له من الضرب، والحبس، والتجويع……”

وحينما يسمع بوفاة زوجها، وأصبحت أرملة ينفتح خياله على أمل جديد للزواج من حبيبته بعد أربعين عامًا، ولكن يدخل في تساؤلات نفسية عميقة.

 لماذا يريد الزواج منها بعد كل هذه السنوات هل لأجل أنه يحبها فقط، ولكن الكاتب يغوص في نفسية البطل حينما يقول

“سأتزوجها انتقامًا من أبيها، ومن زوجها الذي حال بيني وبينها أربعين عامًا…..”،ولكن في المقبرة تتحول مشاعر الحب والحقد والانتقام إلى سؤال فلسفي عميق حول صراع الإنسان بين الأمل والرجاء والرحيل 

“واتجه به ابنه نحو بوابة المقبرة، التفت نحو القبر، يتمنى لو سأل الميت: هل كان يعلم أنه اغتال حبه، وبدد أحلامه، وسرق عمره؟! خطر له أنه الآن يواجه أسئلة أصعب ؛…….”

قصة (الطريق إلى أسفل) تتناول معنى الصداقة.

يقول مسيو مونتين “جدير بالذكر أن الصفات التي نحبها أو نبغضها في صديق ما ليست فقط “لأنه هو” ولكنها أيضا ترتبط بما أنا عليه “لأني أنا” وبالتالي عندما يتخلى عني صديق فإنه لا يرفضني فقط فأفقد معه جزءًا من ذاتي، ولكنه أيضاً يرفض ما أصبح عليه “هو” عبر علاقتنا معاً.”

في القصة عندما استذكر مثالب صديقه وتغيره عليهم أراد أن يمزق الصورة لكنه تردد وأجلها للمستقبل.”

تحكي قصة (الحب من النغمة الأولى) تعلق بالبطل (بالهارمونيكا) حتى أصبحت معزوفاته أيقونة للمسارح، واستذكر في لقاء له مع المذيع قصة عشقه للآلة عندما رآها عند أحد التلاميذ وسرقها لأنها أعتبرها من أشيائه هو!

يقول الناقد محمود الضبع “أنه من الصعوبة بمكان أن نحصي الوظائف متعددة الأشياء خارج النص أو داخله، إذ يصاحب عملية رصد العلاقة بين الإنسان وأشيائه قدر من التعقيد الذي قد لا تفسره نظريات علم النفس، والعلاقة الروحية – أو شبه الروحية – الرابطة بين الشخصيتين: الأولى الحقيقية (الإنسان)، والثانية الاعتبارية (الأشياء) لا تخضع لقانون واحد أو عدة قوانين محددة يمكن خلالها أن نفسر هذه العلاقة الموسومة بالتعقيد

تتناول قصة (امرأة مختلفة) علاقة الرجل بالمرأة من خلال امرأة لديها من الجمال الذي أغرى الرجال لكن شفتاها لا تتكلم، وهو سبب عزوف الرجال عنها، حتى خاض الرجل الذي تقدم لها غمار تجربة مع امرأة لسانها من مسد ثم عاد إليها ليجد في عدم كلامها أمنيته في المرأة التي ربما يريدها الرجال جميلة في محياها، ولها شفتان لا تنبسان بكلمة لتصبح مطيعة له !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com