مَعالِم

محمد الرياني
بعد أن افترقنا في المساء تبدلتْ معالمُ المدينة، خرجتُ من أولِ بوابة؛ الشمال ليس الشمال، والجنوب ليس الجنوب، أسألُ نفسي إلى أين ستسري في هذا الليل الذي بلا معالم؟
وقفتُ على جانبِ الطريقِ لأتمتم على نفسي، وأطرد الشياطين إن كان أحدها يقف أمامي ليمنعني مغادرة المدينة، السعادةُ التي حلَّتْ فوق ملابسي الأنيقة وعطري الفواح جعلتْ من الليل ليلًا يصنعُ التيه.
عاودتُ السيرَ والطرقاتُ تكاد تخلو من المارَّةِ من أجلِ أن أسأل أحدهم ليجيبَ تائهًا عن الطريق، توغلتُ أكثرَ وسطَ الهدوء الذي لم يتحرك بفعلِ الأنوارِ الكثيرة، رأيتُ الشوارعَ وقد ازداد عددها بينما أعمدةُ الإنارةِ مثلَ أمواجٍ هائلةٍ ومتلاطمة، انطفأ جهازُ الهاتفِ الذي يمكن أن يساعدني في السيرِ بالاتجاهِ الصحيح، غبتُ عن العالم، ولا أظنُّ أن بوصلاتِ العالمِ ستحلُّ المشكلةَ لو حضرت.
اتجهتُ إلى شارعٍ فسيحٍ أكبرَ وبه بعضُ المعالم، تنفستُ الصعداءَ وأنا أقرأ عباراتٍ قد مرتْ بي من قبل، هذا المحلُّ المشهورُ أعرفه تمامًا، وهذه الإشارةُ الضوئيةُ كثيرًا ما وقفتُ عندها، اجتزتُ الإشارةَ على غير هدى، بدأتِ الأمورُ تتجلى شيئًا فشيئًا، القمرُ في السماءِ رائعٌ انعكسَ على جسدِ سيارتي الجديدةِ بلون البحرِ وكأنه انعكسَ على جزيرةٍ حالمة، فتحتُ الشبَّاكَ المجاورَ لي لأرى بوضوحٍ أكثر، فتحتُ سقفَ السيارةِ أيضًا لأستمتعَ بإطلالةِ القمر.
عادتْ بعضُ المعالمِ إلى أماكنها، أخرجتُ زجاجةَ العطرِ من دُرجِ السيارة كي تسعدَ نفسي قليلًا وأنا أناجي القمر، أسألُ نفسي من جديد! هل أعادَ لكِ القمرُ وزجاجةُ العطر الجهاتِ وأنت تتجهُ إلى الشرقِ باتجاه القمرِ الذي يتجه إلى المغيب؟ هل تعيش رحلة المغيب مثل القمر؟ هل انقشعَ الضبابُ وولى هاربًا؟
مثلت تلك الأسئلة وأنا أتذكرها عندما حضرتْ في تلك الليلةِ لتودعني؛ بعدها أضعتُ معالمَ الطريق.