آراء و تدوينات

المعاني مطروحة في الطرقات

مرڤت أبوالعينين

يقول الجاحظ: “المعاني مطروحة في الطرقات، يعرفها العجمي والعربي، والبدوي والقروي.” وتكشف هذه المقولة عن بساطة الكلمات والمعاني التي تنتشر في كل مكان، في متناول الجميع، سواء أكانوا من أصحاب الثقافة العميقة أم من عامة الناس. ومع ذلك، نجد أن هناك من يبحثون عن معاني مغلقة، عميقة في الظاهر، ولكنها خالية من الحياة. في رحلة بحثي، أجد لغتهم كـمومياء محنّطة، لغة فقدت قدرتها على التعبير، لا تشعر ولا تتحرك، لغة فاقدة لمشاعرها، وراكدَة من كثرة الجمود.

المفردات، كما الماء، لا تحتاج إلى صانع بل إلى غارف ماهر. فهي تتواجد في الطبيعة، حيث يمكن لكل من يحسن استخراجها أن يقدمها في أوانٍ مختلفة. السر ليس في الآنية التي تحمل الكلمة، بل في الكلمة ذاتها، في المعنى الذي تحمله والقدرة على تقديمه للآخرين. فإن كانت الآنية الفاخرة ضرورية، فهي لا تساوي شيئًا بدون الماء. وكل كلمة هي قطرة ماء، تحتاج إلى لسان مُبدع يتقن فن تقديمها.

وفيكتور هوغو وصف الكلمة بأنها “كائن حي”، وهذا الوصف يحمل عمقًا يتجاوز الأسطر. الكلمة تتنفس، تتطور، وتنمو، وهي كائن يتفاعل مع من يتلقاها. جسدها اللفظ، وروحها المعنى، وجذرها عملية الاشتقاق. الكلمة عندما تولد تكون مليئة بالحياة، تتحرك وتؤثر في الناس، وتثير عواطفهم وأفكارهم. فالكلمة ليست مجرد تركيب صوتي، بل هي كائن ينبض بالحيوية، وتظهر قوته في تأثرها بالأحداث والمواقف. حينما تكتسب زخماً، تصبح كالغيوم التي تحمل الأمطار، وتغسل العقول من كل ما هو عابر.

الكلمة هي ذات حضور، لديها كيان، لها أبعاد تتشكل مع مرور الوقت، ومع تفاعلها مع الناس. إنها لا تقتصر على معنى واحد، بل تتعدد وتتكاثر وتتطور. هذا هو سر الخلود في اللغة؛ أن تتجدد باستمرار، أن تتلاقح مع لغات وأفكار وثقافات أخرى. والتطور هو سمة النجاح، واللغة الناجحة هي التي تعرف كيف تتكيف مع الزمن، وكيف تجذب الأجيال الجديدة.

رسالة إلى الكتاب

عزيزي الكاتب، عزيزتي الكاتبة:

إن حصر المعاني داخل إطار ضيق هو قتل للمفردات، والقتل في شرع الله حرام. فلا تقتلوا اللغة قبل أن تموت، يرحمكم الله! فكلماتكم أمانة، واللغة هي الروح التي تحمل أفكارنا. فلا تدعوا الصمت والجُمود يسيطران عليها.

حرّروا كلماتكم من براثن السكون، دعوها تتحرك، تغني بأهازيج العيد والفرح. اتركوا لها حرية الحياة، لكي تصبح أكثر عمقًا وتأثيرًا. فقط حينها، ستجدون أن لغتكم تتخطى حدود الزمان والمكان، وستنير دروب الأجيال القادمة، وستظل باقية بعد أن يرحل الجميع.

اعملوا على إحياء لغتكم، واجعلوا منها أداة بناء وارتقاء، لا أداة تقييد وعزلة

…….

@ Mervat Abu Alenain

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com