القاص بخيت طالع: سحر الفانتازيا صنع طفرة سردية، وإفطار المسجد مخرج عنق الزجاجة

حوار – مريم الحسن:
القاص (بخيت طالع الزهراني) ضيف حوارنا الرمضاني الليلة، وهو الحوار الذي نقترب فيه من حياة وفكر ضيوفنا عبر أكثر من نافذة، نقلب فيها أوراقهم، وننصت لتجاربهم، ونجعل من أيام وليالي الشهر الفضيل مرتكزًا لبعث الذكريات، المتصلة بفن القصة القصيرة …..
..
ماهي قصتك مع الأساطير، والقصص الشعبية الرمضانية في منطقتك، وكيف كتبت عنها؟
الأسطورة والقصص الشعبية منبع لا ينضب للكتاب، وهي ميراث قصصي غني للشعوب، بتصوراتها التاريخية والميتافيزيقه، وقد استثمرها الكتاب كأداة فنية لكن بتقنيات معاصرة، وفي مجموعتي الأولى (حفلة الجن) حاولت توظيف ذلك من وحي انصاتي لسرديات جدي الشفاهية، ونسجت منها قصة جعلتها عنوانا للمجموعة.
رمضان محفز للكتابة، هل من (ق ق ج) لك عن أجواء الصيام؟
طقس رمضان بكل معطياته ومحركاته محرض على الكتابة، من خلال مشاهداتنا لمجريات الفعل والتفاعل فوق صفحته العفوية الإيمانية المبهرة…. وقد كتبت أكثر من نص … منها:
حسرة
تسمَّر عدة ساعات فوق تلة بوسط الصحراء، ظل يراقب ولادة الهلال، غيمة ظلت تعانده، راوغها يمينًا وشمالًا، لكنها بدت تسد منافذ الأمل بينه وبين شهادة تدر عليه مالًا.
عاد خائبًا إلى بيته.
طالبه أهله بثمن ملابس العيد، أدخل يده في جيبه ليخرج لهم قمرًا مختبئًا.
ثمة مواقف “غير متوقعة” صادفت مسيرة صيامك، فيها عبرة أو طرفة، هل تشاركنا إياها؟
ذات مرة، تلقيت عزومة على الإفطار الرمضاني من صديق في قرية أخرى، زوجتي اقترحت أن تفطر حينها عند أهلها، اقتربت من قرية الداعي، لكن في لحظة عدت لهاتفي لأتأكد من ساعة الحضور، وإذ بالمفاجأة الصاعقة أن العزومة غدًا وليس اليوم، بدأت أدور “حول نفسي” هل أذهب للمطعم، لكن الخبر سينتشر في بلدة صغيرة كل منهم يعرف الآخر، وحتمًا سيثور سؤال ينتشر: هل الرجل على خصام مع زوجته؟ .. عدلت إلى فكرة أخرى، اشتريت كرتون ماء، ومررت على جماعة إفطار بمسجد قريب، وزعت عليهم العبوات، وانخرطت بينهم أسد رمقي ….!
ماهي تجربتك مع قصص الفانتازيا كتابة؟
أرى أن الفانتازيا من أجمل المعالجات الكتابية السردية، حيث الخيال الإبداعي اللذيذ، الخارج عن المألوف والحياة النمطية، بما فيها من السحر والعفاريت والخرافات المذهلة.
ولي معها عدة نصوص استمعت بها، منها نص عن: مركبة فضاء عربية بها رائد فضاء سعودي هبطت على القمر، وأخرى عن الشاعر ميخائيل والجنية الشقراء التي اسقته لبن الشعر في الغابة في ليلة مظلمة …. الخ
في عالمك الشخصي، كيف تمضي تعاملاتك مع الأسرة والوقت وأصناف الطعام في رمضان؟
برنامجي اليومي الرمضاني كيفته حسب حالتي، التي قد يشترك معي فيها آخرون، فمن بعد أداء صلاة الفجر نوم حتى الظهر، بصفتي قد تقاعدت مبكرًا، وتفرغت للصحافة الإليكترونية التي لا تستوجب حضورا للمكاتب، مع تخصيصي وقتًا لقراءة القرآن الكريم يوميًا 30 صفحة، ما يجعلني أختم بالراحة في رمضان، ثم جولة عصرية استمتع فيها بالمشاهد الروحانية الانعكاسية لرمضان على وجوه الناس في شهرنا الفضيل، وأخرج من ذلك بقصة أو تغريدة أو مقالة.
وفي الليل جلسة عائلية أو زيارة للأقارب، ماعدا الليلة التي يكون فيها مباراة لفريقي أهلي جدة الملكي، فإنني أغلق حجرتي وأعلن الطوارئ حولي، كي أشاهدها وحيدا بدون منغص …!
أما فلسفة طعامي فربما كانت قصة خاصة لا ألزم بها عائلتي، حيث أن إفطاري الرمضاني أجعله على شوطين: الشوط الأول قهوة وتمر وسوبيا “مشروبي الرمضاني المفضل”، وبعد العودة من المسجد وصلاة المغرب يكون الشوط الثاني: السمبوسة والشوربة، بالتبادل مع التميس والفول من مطعم “خلوفة” الشهير – ثم اللبن مع جفاء ملحوظ للحلويات.
الجميل …. أن العائلة تتحلق على سفرة واحدة وقت إفطار رمضان، كواحدة من بركات شهر الخير، وأظل اختلس النظر لكل واحد منهم أتأمل بصمت خياراته وثقافته الغذائية.
تواجه القصة القصيرة تحديات وجودية، كيف ترى هذا التحدي، وما واجب كتابها لتعزيز مكانتها؟
نعم، يواجه جنس القصة القصيرة تحدٍ ملحوظ، جعلها تسير وراء الشعر ثم والرواية مؤخرًا، بسبب ما تلقاه الرواية والشعر من دعم لوجستي عبر الجوائز المغرية ماديا ومعنويا، لكن ذلك كله لم ولن يجعل القصة تسقط، أبدًا لن تسقط، فلها كتابها وعشاقها، الذين سيحملونها على أكتافهم في كل زمان.
وبهذه المثابة فإن القصة ليست في خطر، فلا زالت سيدة على عرشها، ولها مريدوها وحواريوها الكثر، لكن لأننا نحن أهل القصة نريدها في الصدارة، ليس تعصبًا ولكن لأنها تستحق، بيد أن من مكدرات زحفها للقمة أن صوتها لم يجد صدى كبيرًا عند من ننتظره منهم، كغيرها من أجناس الأدب الأخرى، من باب تكافئ الفرص.
والواقع أن القصة تعد سيدة فنون الكتابة، هي في الأصل تاريخ متجذر منذ البدء، إرث عريق يتجدد، وأصالتها هي من حفظ لها قوامها وهيبتها في ظل كل ما لقيته من عثرات، كان بعضها بسبب بعض محبيها، الذين تأخروا عن المواكبة، وتطوير أدواتهم، واستسهالهم لكتابتها، بحيث خرجت بعض كتاباتهم أقل من المأمول وبعتاد لا يكفي للمقارعة.
لم يفطنوا لفنيّاتها التي تتجدد، من خلال اعتماد التكثيف والحساسية العالية واللحظة الإنسانية الواحدة من البداية للنهاية لتحقيق الجمالية والإدهاش في آن.
وأخيرًا … يا عشاق القصة أكتبوا وأكتبوا، لا تتوقفوا، مارسوا هوايتكم وشغفكم بالإصرار، أكتب قصة وأنصت للرؤى جميعها بصدر رحب، وأعمل بما ترى منها، لست ملزمًا بكلها، امضوا في طريقكم بثقة تتزايد، طاردوا حلمكم …؟