فاطمة الدوسري: روايتي القادمة اختلطت الفنتازيا بالواقع، والقصة تحتاج الجودة ليبقى التأثير

حوار – مريم الحسن:
القاصة الروائية (فاطمة عبدالله الدوسري) بنت الريف، ضيفة حوارنا الرمضاني الليلة، وهو الحوار الذي نقترب فيه من حياة وفكر ضيوفنا عبر أكثر من نافذة، نقلب فيها أوراقهم، وننصت لتجاربهم، ونجعل من أيام وليالي الشهر الفضيل مرتكزًا لبعث الذكريات، المتصلة بفن القصة القصيرة …..
هذا الحوار تم بالتشارك مع “ملتقى القصة القصيرة الإلكتروني”.
ماهي قصتك مع الأساطير، والقصص الشعبية الرمضانية في منطقتك، وكيف كتبت عنها؟
في عصاري رمضان المبهجة، عندما تفوح الروائح من المطابخ، وينزاح الصغار بحافز الجوع عند أبوابها، مما يزعج الأمهات، ويثير غضبهن، خوفا عليهم من أن تكون ثمن اللقمة إصابة، كنت ابتعد عن كل هذا وأتسلل إلى هدوء غرفة جدة جيراننا، فجدتي لا تجيد رواية القصص لي.
اتلذذ بحكايتها التي سكنتني حتى الآن، وهي تخبرني كيف حملت طفليها وسرت بهما في جوف الليل على ظهر ناقة عجفاء، تزفهما الذئاب، ووحوش تسمع هدير أصوتها، هربًا من زوج اكتشفت كذبه، اخبرتني عن الطير الأخضر الذي كان إنسانًا وعاد على هيئة طير ليخبر العالم بمأساته، وذلك الجمل الذي هام حبًا في راعيته حتى مات، وتلك الشجرة التي حمت الرضيع من الساحرات، حكايات أشبعت مخيلة طفولتي، وربما زرعت الخوف في نفسي، لكنني كنت أبحث عنها كل يوم، وأنا أتأمل فم راويتها الأجوف قبل ان تتركني أحيانا في منتصفها لتلتحف وتنام.
فعلا مازالت بعض الحكايات في داخلي مجرد أطياف منقوصة.
رمضان محفز للكتابة، هل من (ق ق ج) لك عن أجواء الصيام؟
“جوع”
ينظر لساعته، يزحف ببطء نحو الأمام…
انتابته موجة غضب عنيفة، هدأ عند اقترابه، واكتفى بإخراج سواك لتطهير فمه، وطبق الفول بين يديه، بعد أن ترك من أمامه في طابور الانتظار عرايا.
ثمة مواقف “غير متوقعة” صادفت مسيرة صيامك، فيها عبرة أو طرفة، هل تشاركنا إياها؟
بسبب غيرتي من أخوتي الأكبر مني ووالدي يثني عليهم لإتمامهم الصيام كل يوم، كنت اتظاهر بالصيام أمامهم، وعندما يقرصني الجوع اختبئ في عتمة الغرفة وأتناول الشراب أو ما تيسر من طعام خفيف، حتى رصدني أحد أخوتي وكشف سري للجميع، كان الوالد رحمه الله يردد: “ما عليه اليوم صامت نصفه وبكره تصومه كله” وكنت أهز رأسي بالإيجاب وسط ضحكاتهم، أيام نشتاق لمن جمعتنا بهم لحظاتها.
ماهي تجربتك مع قصص الفانتازيا كتابة؟
عالم الخيال المتخيل، الخروج عن المألوف، وما وراء الطبيعة، عوالم نصنعها عندما يتعدى التفكير حدود المنطق والمقبول، حكايا نسري خلفها في الظلام، لنعيش ارتعاشة الخوف والذهول، وحالة الفزع عندما تنكشف لنا وجوه لا تشبهنا، ونتساءل ان كنا نعيش في عوالم أخرى بلا إرادة، وما سر الأحلام التي تغشانا، لنفيق والعرق يبلل وجوهنا.
في روايتي الثالثة اختلطت الفنتازيا بالواقع، في داخلي حمل حاولت أن اتخلص منه.. بحول الله ترى النور بعد العيد ان صدقت دار النشر، ودعواتكم أن يفك أسر روايتي الثانية “البوابة صفر” التي مازالت رهينة دار النشر لمدة قاربت العام.
في عالمك الشخصي، كيف تمضي تعاملاتك مع الأسرة والوقت وأصناف الطعام في رمضان؟
في رمضان اتخلى عن عزوفي عن المطبخ، واجتهد لإعداد أطباق تسعد أسرتي الصغيرة، ويسرني ثنائهم على انجازي، وبقدر ما تكبر حجم المائدة، وتتغير الوجوه حولها، نفتقد وجوهًا، نتأمل أخرى، وتنطوي صفحة الأيام تحملنا معها إلى ضفاف أخرى، من عالم بلا مسؤوليات، إلى كامل المسؤولية، يتداولنا الزمن ونسعى فيه، نكتب سطرًا ونمحو آخر، ونضع بعض التفاصيل بين قوسين، وفي كل الأوقات يظل رمضان له التميز.
تواجه القصة القصيرة تحديات وجودية، كيف ترى هذا التحدي، وما واجب كتّابها لتعزيز مكانتها؟
القصة القصيرة ومضة روح تكتب على جدار أرواح أخرى، حكاية الواقع للواقع إن لم تغلفها الدهشة، لا تلتصق، وتتلاشى بلا أثر.
حال كتاب القصة القصيرة، كحال الأهل الذين يحاولون الاستحواذ على تربية أبنائهم في عالم مسرف في التغلغل السريع وقلب الطاولة إن لم تكن راسخة التثبيت.
في عالم متسارع، ذي ضغوطات زمنية عالية الجهد، وزحام شديد، يحتاج الإنسان إلى استراحة قصيرة، يهرب من خلالها إلى روحه المجهدة، والمطاردة بصخب الحياة العصرية. من خلال شرفة القراءة، والاستمتاع.
ورغم انزواء القصة القصيرة لفترة من الزمن إلا أنها الآن تعود للحضور، وعلى قدر اجتهاد كتابها في انتقاء المواضيع والصياغة وإثارة الدهشة، كلما زاد تهافت القراء عليها، وفي بلدنا نهضة شاملة، وللقصة نصيب منها بدعم هيئة الأدب والنشر والترجمة ومبادراتها العديدة، التي تصب في مصلحة القصة القصيرة، ويظل على الكاتب اعتماد الجودة والأصالة ليبقى التأثير.