google-site-verification: google5690d0d4babd69ee.html
صحيفة,أخبار,جريدة,صحف,جرائد,أخبار اليوم,أخبار عاجلة,آخر الأخبار,صحيفة إلكترونية,صحيفة رقمية,منصة أخبار,بوابة إخبارية
ثقافة و فنمقابلات وتقارير

  قراءة في كتاب “إطلالات” .. لـ “وفاء داري”                                                                  

كتب: هاني الحجي

وفاء داري في كتاب (إطلالات)

تسرد الأنثى من خلال نثريتها النصية وتفتح نوافذ إطلالاتها على سردتيها الأنثوية   

…..

عتبة النص

كتاب (إطلالات) مجموعة نصوص للكاتبة والأديبة وفاء داري، صادرة عن دار ابن رشيق للنشر والتوزيع بالأردن جاءت في (173) صفحة متفاوتة بين الطول نسبيًا والقصيرة، تتداخل فيها الأجناس الأدبية بين النثر والخاطرة والبوح وأحيانا السردية النثرية.

العنوان يشير إلى أن الكاتبة ستشرع في نصوصها للقارئ نوافذ ليطل منها على المرأة من خلال سبر أغوار نفسها وعلاقتها المتشابكة مع محيطها وعلاقتها مع الرجل.

الإهداء تخاطب به الكاتبة القارئ الذي تريده، وهو من يستطيع التحليق بنصوصها ويفهم معانيها، “لكل من حبست حناجرهم عن التعبير، ولكل امرأة أم أو زوجة كافحت لأجل هوية المرأة وكل رجل في موقعه بالحياة كأب يحترم”

يتضح من الإهداء أن الكاتبة ستقدم نصوصِا تتناول فيها العلاقة التكاملية بين الرجل والمرأة، وليس الصراع على الهوية والسيطرة والإقصائية بين الجنسين.

يمكن تقسيم كتاب (إطلالات) إلى ثلاثة اقسام

– علاقة المرأة مع ذاتها

– علاقة المرأة بالرجل

– علاقة المرأة بمحيطها الاجتماعي

تناولت النصوص علاقة المرأة  بالرجل و إيجاد حالة توازن  في علاقتهما تتجلى من النصوص المتأرجحة  لدى الكاتبة بين كبرياء المرأة وتمردها على القمع والحفاظ على صيرورتها الأنثوية  في عاطفتها وصحوة ضميرها فهي تكتب عن قوة المرأة وعدم قبولها للاستسلام والاحباط وفي نفس الوقت تمسك بخيط الابقاء على شموخ الرجل ودوره في القوامة داخل العلاقة المتشابكة معها من موقعه كرجل في معادلة الحياة   فيظل هو الرجل الحنون وأمنية لكل امرأة أن يكتمل ويتوج خيط حياتها با كطبيعة فطرية  لدى الجنسين، وفي  اطار العلاقة في قالبها الشرعي الرجل الذي يحترم انوثتها ويؤمن بالدور التكاملي للجنسين.

لكن قبل قراءة نصوص المجموعة والتي تتمحور حول الأنثى ننتقل للنص الأخير من الكتاب لأنه يتناول قضية إنسانية كبرى في هذا العالم وهي (فلسطين)

قد يتراءى للمتلقي أنه جاء خارج سياق نصوص الكتاب ظاهرًا إلا أنه يجمع كل النصوص عمقا فالكاتبة فلسطينية، وكل الأحداث التي رصدتها بمشاعرها تنطلق من هوية أرضها ووطنها وحلمها المنتظر عودة فلسطين حرة لأهلها لتحلم كما هو شعبها وكل شعوب العالم في وطن يحتويهم ويعيشون فيه بسلام عنوان النص (شمس بلادي)، ورمزية الشمس في نصوص فلسطين لها دلالتها المنفردة كما يقول الأب (سيمون بتري) وتعمدت اختيار الاستشهاد لكاتب مسيحي ليؤكد الأمنية المشتركة للشعب الفلسطيني مسلمين ومسيحين في تحقيق العدالة لهذا الشعب المحتل.

يقول: “عندما نتحدث عن شمس فلسطين ليست فقط مصدرًا للضوء والدفء؛ بل هي رمز للحياة والأمل والتحدي، ودرس في الإصرار على الاستمرار”.

وهذا الأمل الذي نشرته في الأفق الأديبة وفاء داري من خلال نصها

“تجلت شمس بلاد ي من نهرها إلى بحرها من شرقها إلى غربها، تجلت لتجلو عن بلادي غبار الدمار ووصمة العار”

وهي تخاطب وطنها فلسطين كما تخاطب الأم وبلغة شفافة تسمع فيها حنين الأمومة والانتماء للأرض والوطن، وتؤكد أنها هي أرض الأجداد وجذورها وهويتها العربية

ا    َ فلسطبن.. ياأرض أجدادي َ يا نبع شوقي يا ة أحلامي َيْاوطنًا يلامس شموخ السماء يا جرحًا نازفا خذي من عمري وزيدي”

يتضح حجم الألم الذي تجسده في حنينها للأرض التي تلامس بشموخها السماء لكنها مازالت جرحًا نازفًا في قلبها ، وتربطها برسالة الانبياء وهي أرض الحضارات.

2

مدخل إلى الكتاب

النص الأول (الروح)

يتضح في هذا النص أن الأديبة مازالت تحاول تهيئة نفسية المتلقي وتبحث عن قارئ ينسجم مع رؤيتها لمفهوم الانسان بمعناه العميق ويغوص معها في روحه المشبعة بمعاني الانسانية، وفي نصها الثاني بعنوان (جميل الأثر) تحاول أن تشرح للقارئ كمدخل لتلقي نصوصها عن تأثير الكلمات وجمالها وقدرتها على تحقيق التواصل الإنساني وتترك أثرها على العلاقات، كما يتجلى هذا المفهوم في نصها (بلسم الحروف) تقول الكاتبة عن الحرف أنه علاج يبلسم الروح من تعبها وهي تأخذ بقلب الإنسان من الضياع والغرق لتمد له الوصول للأمل.

(إطلالات من نوافذ الإبداع على المرأة)

تتناول الكاتبة في نصوصها جوانب نفسية واجتماعية وأحلام المرأة المعقدة في مجتمع شرقي، في محاولة لإيجاد دورها وموقعها كأم وزوجة وأرملة ومتعلمة وصانعة للحياة، وتتخذ من نثرية اللغة وجمالياتها في دلالتها اللفظية، بتعبيرات أدبية مختلفة، تتوزع بين قصيدة النثر، والخاطرة، والسردية القصصية، وتتشعب في تداخل العلاقات مع الآخر الرجل فهو الأب والعاشق الحبيب، الصديق، والرجل الطيب والشرير والغادر والوفي والخائن والمحب، وتتشارك معه العلاقة العاطفية الخاصة والمجتمعية. ومن ثم فهو الآخر بالنسبة للمرأة.

تعرف من خلال نص (صديقتي حواء) الأنثى للأنثى نفسها فهي التي ورثت الكبرياء والعنفوان والأنوثة وربما الكيد بسبب الظروف الاقتصادية، وهنا يتضح التبرير لما يقال عن كيد المرأة، أو تلقي الرجل حسب فهمه للآية الكريمة (إن كيدهن عظيم).

أهم السمات الوصفية للمرأة في النصوص

ترد كلمة (الكبرياء والعنفوان) بكثرة في نصوص المجموعة، وتصور صمود المرأة وتحديها للظروف وعدم انكسارها رغم الأحزان.

تصور قوة المرأة وكبريائها وتعرفها للآخر الرجل لتكشف له أن خلف هذه الانثى الرقيقة اتي تحمل مشاعر الأم البطلة والزوجة المحبة والأخت المرهفة داخلها امرأة صلبة حديدية قوية تستطيع الخروج من كل آلامها وإحباطاتها النفسية ومن قيود المجتمع، أو ظلم الرجل لو وقع عليها، ثم تعرج لترسم العلاقة المتوازنة بينها وبين الرجل لتأكد أن المرأة لاتقف ضد الرجل حينما يحترم هويتها بل هي في حاجة له كما أن الرجل بحاجة للمرأة في كل مراحل حياته.

“.. وهو كل ما احتاجه هو استئصالي مني  لأعود  إلى اللاشيء  . 

فهي ترى استئصال المرأة من أنوثتها سيأخذها إلى اللاشيء “

وما بين النثر الجمالي في النصوص والفكرة تتبين المشاعر بين الكبرياء والاشتياق عنفوان المرأة ورومنسيتها وعاطفتها، وبين التمرد في نصوص الكتاب المتفاوتة في تناولها، حيث تأتي أحيانًا في شكل النصوص القصيرة التي لا تتجاوز بضعة أسطر، وأحيانًا في شكل نص يطول نسبيًا. وهو ما يستدعي أن يكون النص بمثابة مرآة، تنعكس عليها هموم الذات الكاتبة ومنها على سبيل المثال نص(وديع في حضورك)

3

ومن أمثلة النصوص الطويلة نسبيا نص (ممنوعة)

بعض النصوص في المجموعة كانت تهدف لإيصال رسائل مباشرة مما جعلها تبدو كنوع من تسجيل الموقف أو الخاطرة، أكثر منها نصوص للتأمل العميق والتقصي والغوص، ومحاولة الإمساك بتجليات الفكرة نفسها في تفاصيل وجود المرأة الإنساني مثل النص عن الأرملة والأم.

أحيانًا تجد داخل جماليات النص بعض الجمل التقريرية المباشرة لكي تحقق هدفها في رسالتها لدور المرأة وصمودها بعيدًا عن التجلي في استكشاف كنه هذه العلاقة بربطها بفكرة إنسانية متجلية، وفي بعض النصوص الطويلة نسبيا، تحاول الأديبة تكثيف الوصف، بعبارات نسقية من المترادفات المجازية والمحسنات البديعية، تبرز في مفردات طقوسية للتجلي لحظة العبادة والطبيعة وربطها بالمشاعر

 “عندما تسطع شمسي ويتورد قلبي، وعند الظهيرة أذكرك في صلاتي وبين العصر والمغرب .. . لا يفارقني صداك. وبعد العشاء أنت بأحلامي”.

 الأمر الذي يمنح الفكرة أريحية، ويبدو حس الحكي سلسًا، لا يفصل واقع الفكرة في النص، عن إمكانية تجسدها على أرض الواقع.

فالعلاقة بين الرجل والمرأة رغم تشابكها مع الواقع الحياتي بكل تمثيلاته المادية، فإن الأساس في العلاقة بينهما بروحيهما وجسديهما، وكذلك فكرة الحرية بينهما في علاقتهما الطبيعية، لا جدوى لها على أرض الواقع، إن لم تحرر الجسد والروح، من قيودهما وتعارضاهما، على مستوى العاطفة والرغبة والحلم والواقع وحتى في تغيير المفاهيم بينهما.

  ونقرأ في نص (تصافح) تناصًا من خلال فكرة السكن بين الرجل والمرأة كما وردت في القران (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) وغيرها مما تومض به النصوص القرآنية، وما ورد في الأثر حول العلاقة بين آدم وحواء ، وتطرحه الكاتبة  بعفوية، تصل إلى حد التأصيلية أحيانًا، حتى تبدو الفكرة مجردة داخل النص .

وتسرد من خلال نثريتها النصية أو سرتيها النثرية العلاقة لتصالحية والتكاملية بين الرجل والمرأة وأنها ليست تقاطعيه بل  تعبرعن حالة احتياج الطرفين في العلاقة، وهو ما يجعل الفكرة مقيدة في فلك هذا التراتب، بعيدًا عن علاقاتها الخاصة المتغيرة مع الأشياء، كما هو في نص (بلا تفاصيل) تصور الأنثى أنها تعيش نفس السياق في حياتها وتكراها فكلهن من نون النسوة، و تتناول حسب رؤيتها ما يميز المرأة عن الاخريات داخلها ورؤيتها للحياة ونظرتها البعيدة .

ومن خلال القسم الثاني للكتاب تقدم الكاتبة من خلال نصوصها رؤية للعالم عن المرأة والرجل بحروف حساسة، هذا ما انعكس على نصوصها من خلال تشكيل جماليات عالمها التخيلي بحروف أنثوية، تتداخل فيها مسارات كلماتها على مساحة لغوية إبداعية باحثة فيها عن خصوصية المرأة لوعيها الأنثوي، والصراع المستمر لإثبات هويتها وكبرياءها، من هنا يمكن القول: تمكن الأديبة من إيجاد آليات لنصوص أنثوية خاصة بها داخل كتابة النصوص.

ففي نص (فخورة بنفسي) مثلاٌ ترى أن العمر مجرد أرقام في حياة المرأة فهي تستطيع تجاوزه بتجدد أنوثتها وإيقاف زحفه على قلبه فالمرأة مشاعر وقلب وعواطف وليس جسد، لكن لابد أن تتمسك بالحياة وعشقها فهي جزء من طبيعتها الأنثوية.

تنتصر الأديبة وفاء في نص (ترجلت حافية القدمين) للمرأة في كل معاركها وهي قادرة على استخدام كل أدوات اللغة في معركة الكبرياء لتنتصر لأنوثتها “وانتقلت في نص (كنعانية) إلى موضوع آخر في الكتاب وهو اعتزازها  بحذوها وتاريخها وأرضها  وسمائها تعتز لانتمائها لهذا التاريخ العريق وجذوره

القسم الثالث (المرأة وعلاقتها بالمجتمع)

تتناول علاقة المرأة من خلال موقعها بالمجتمع وتبحر في عالم المرأة من خلال مراحل حياتها وموقعها ودورها في كل موقع تكون فيه، فالمرأة هي الأم ومن يريد اختصار دورها أو دور الأمومة فهو عاقر في فكره، والمرأة هي الزوجة التي تتربع على عرش الزوجية وتحقق السلام لمملكتها الصغيرة وهي التي تصبر وتتمرد وتعاند ولكن بحكمة، كما في نص (حواء في عالمها الجديد) جسدت الأنثى التي تحلق كالفرشة في المستقبل ناسية الماضي فالأنثى لا تحقد ولا تكره بل قادرة على التجاوز وأن تسبح في فضاء التسامح والأمل. 

تناولت في نص (آنسة) قسوة المجتمع تجاه العانس بطريقة ديراماتيكية حينما ركزت أنها لن تنتهي بغياب الرجل عن حياتها وهو قدر لم تختاره، وتناولت في قصة (عاقر التفكير) قصة المرأة العاقر والتفكير المجتمعي الناقص ونظرته لها.

ولم تغفل المجموعة الآلام النفسية والفسيولوجية للمرأة كما في نص (قبل الولادة) درامي مؤثر يتناول آلام الإجهاض قبل الولادة، وكذلك في نص (إجهاض حلم) الذي يحمل دلالات الفقد والغياب الفقد المعنوي والجسدي. وتناول نص (ممنوعة) قمع المرأة والتي تخالف فطرتها الطبيعية واحتياجاتها الإنسانية وتسكب روح شاعرية في هذا النص المتأنق بعباراته المموسقة.

تتألق الكاتبة في نصوصها من خلال نص (اعتقال قلم) الذي يتناول قضية محاصرة الكلمات واعتقالها وتلجم حرية المرأة في التعبير.

 يأتي نص (يا سيدي القاضي) في قالب سردي قصصي بفنية تسرد  فيه قصة  فتاة في ربيع العمر جاد عليها القدر بحبها لزوجها لكن أصابها رصاص الغدر، وظلت ممسكة بالوفاء رغم السهام التي تصوبت نحوها، وهي تسرد حكايتها للقاضي الممثل بالتاريخ والوفاء أمام صراع مع من يريدها دفن العمر وما تراه وفاء لمن فقدته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com