google-site-verification: google5690d0d4babd69ee.html
صحيفة,أخبار,جريدة,صحف,جرائد,أخبار اليوم,أخبار عاجلة,آخر الأخبار,صحيفة إلكترونية,صحيفة رقمية,منصة أخبار,بوابة إخبارية
مقالات

حنطة جدّتي

محمد محسن الغامدي

ماتت جدّتي شريفة، رحمها الله، قبل سنوات خلت. بقيت غرفتها تنعم بعبق عطور “ليالي باريس” و”أبو طير”. شنطة الملابس ما تزال على ترتيبها ونظافتها.

المكحلة القديمة، وعلبة الكريم الأبيض ذات الرائحة التي لا تُنسى، وسراويل “خط البلدة” مُسفّطة في بقشة لوحدها، وكأنها لا تريد أن تضعها مع ثيابها في شنطة واحدة.

كلما زرت قريتي، أدخل إلى غرفة جدّتي، وأعيش ماضياً جميلاً. أتأمّل مشطها الخشبي، وجهاز الراديو بغطائه الجلدي البني. ما تزال موسيقى “أحرث وازرع أرض بلادك” التي كانت تحرص على سماعها كل صباح، ترنّ في أوتار قلبي.

في ركن الغرفة، هناك علبة “حليب أبو ولد” كبيرة. دفعني الفضول لفتحها، فإذا هي مملوءة بحبّات قمح ذهبي لم أعهده إلا في صغري؛ قمح برائحة أشجار الشيح والعرعر، أعاد إليّ ذاكرة الطفولة.

أخذت منه ملء قارورة صغيرة، وأهديته لرفاق قريتي الذين يعيشون في الدمّام، ليتذكروا رائحة قريتهم. كانوا سعداء، لكن أكثرهم سعادة كان الدكتور عبدالله، الذي هتف بأعلى صوته:

“أورجَنِك! أورجَنِك!”

ثم قال:

“هذا القمح نادر الوجود، سأعمّمه على مدرجات منطقة الباحة بأكملها إن شاء الله.”

وفي الصيف التالي، فاجأنا الدكتور بـ”خبزة” لم نعهد مثل طَعمها ورائحتها إلا ونحن أطفال صغار.

لاحقًا، رأينا السنابل الذهبية تملأ المدرّجات، منحنية، تناجي عبق الغيوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com