زينب والمِغزل

هيفاء نورالدين
قصة قصيرة
في آخر القرية، حيثُ الطريق يُصبح ترابًا ثم عشبًا ثم صمتًا،
عاشت زينب.
امرأةٌ لا يعرف أحد عمرها، لكنها تمشي كأنها وُلدت يوم أمس وتعبت من الحياة خلال الليل.
عينٌ يختبئ فيها الخريف، ويدان لا ترتجفان حين تغزلان الصوف.
كانت كل صباح تفتح نافذتها على صوت النهر، وتُخرج مِغزلها الخشبي.
تغزل وتغزل وتغزل، كما لو أن الخيط وحده هو ما يُبقيها واقفة.
تغزل وشفتاها تتحركان: لا أحد يعرف إن كانت تُصلي أم تُحادث من رحلوا.
كان عندها فستان أبيض لم ترتده قط.
معلّق خلف الباب، موضوعٌ داخل كيس شفاف، لم تلمسه إلا لتُبدل مكانه ليتفادى الغبار.
كلما سألها أحد، قالت:
“هذا لمن سيعود.”
قالوا إن زوجها سافر في زمن المجاعة، ليرسل المال.
قالت زينب: “ما وعدني بالمال، وعدني بظلّه فقط.”
وفي كل عام، كانت تزرع وردتين فقط عند باب الدار.
واحدة باسمه، والأخرى باسمها.
لم تكبرا أبدًا. لكنها زرعتهما رغم ذلك.
في شتاءٍ قاسٍ، طرق الباب ولدٌ صغير، يرتدي معطفًا أكبر منه.
أعطته خبزًا، وحملت كوب الشاي بيدها السمراء وقالت له: “لو كبرت، خذ هذا المغزل، وابحث لي عن من فقدته في الخيط.”
ضحك الطفل، لم يفهم، لكنه عاد في العام التالي.
ثم عاد مرة ثالثة، ومع كل عودة كان يكبر، وكانت هي تُغزل أقل وتجلس أكثر.
في آخر يوم لها، طلبت أن تُدفن تحت شجرة التوت.
وأن يوضع الفستان الأبيض في التابوت.
قالت: “لن أرتديه هنا. لكن قد أحتاجه هناك… إن تأخّر، لا بأس. أنا ما زلت أُحبّ الانتظار.”
قال عنها الطفل الذي صار رجلاً:
“زينب لم تكن تحيك الصوف…
كانت تخيط ظلّ رجلٍ في غيابه.”