براءة

محمد الرياني
تبعثرتْ أوراقُ اللعبةِ التي يعاقبون الأقلَّ فيهم حظًّا، ربما يكون أقلهم حظًّا هو المسكينُ الذي استلَّ من دفترِه القديم ورقةً ومزقَّها قطعًا صغيرة، ثم كتبَ بقلمه على كلِّ جزءٍ من الورقةِ الأدوارَ أو ربما استعارَ قلمَ والدِه ليكتبَ الأدوارَ في اللعبة.
جاء بالأوراقِ مكتوبةً جاهزةً ووجهُه يتهلَلُ بِشرًا وسعادةً كي يلعب مع أصدقاءِ الحيِّ اللعبةَ المشهورة، ولم يكن يعلم ما يخبئه له الاختيار.
لم يدمْ طويلًا البحثُ عن أصدقاء يلعبون معه؛ فالحيُّ ينتشرُ فيه النداءُ بسرعةٍ عبرَ مزمارٍ صغير، وليس بوسعِه أن ينتظرَ المزيدَ من الوقتِ وأوراقُ اللعبِ بين يديه.
شكَّلوا نصفَ دائرةٍ جميلة، وكلُّ واحدٍ قد حضرَ بملابسِ نومِه التي باتتْ عليه وهم ينظرون إلى بعضِهم.
رمى الأوراقَ الصغيرةَ على الأرضِ بعشوائيةٍ بريئةٍ، ولم يكن خبيثًا فيميزها بخطِّه أو أن يطويَها ليعرفَها فيما بعد.
بدأتِ اللعبةُ وقد بدتْ على وجهِه المتغيِّرِ ملامحُ الحُمْرة.
حكموا عليه بالعقاب، جيء بغصنٍ من شجرةِ الفلِّ القريبةِ ليعاقبوه به على الرغمِ من أنه هو الذي ناداهم وأحضرَهم ليلعبوا معه، لم يتمالكوا أنفسَهم من الضحك، اقتربوا منه أكثرَ وصافحوه واحدًا واحدًا بدلًا عن العقاب، ثم ذهبوا إلى مصدرِ الماءِ القريبِ ليغسلوا وجوهَهم من أثرِ النوم.
قدَّمَ لهم طعامًا جهزتْه لهم أمُّه فتناولوا وجبةَ الإفطار، ثم طلبَ منهم أن يلعبوا معه ثانية، لكنه اشترطَ أن يسكبَ الماءَ على أوراقِ اللعبةِ ليذوبَ حبرُ البراءة.
جلبوا أوراقًا من شجرةِ الفلِّ الخضراء ليلعبوا بها وهم يفكرون في اسمِ لعبةٍ جديدةٍ لم يلعبْها أحدٌ قبلهم.