لذّة زائفة

أميمة عبد العزيز زاهد
الكذب من آفات اللسان التي نهى الله تبارك وتعالى عنها، وهو مفتاح لكل شرٍّ، وباب من أبواب النفاق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان».
الصراحة هي أقصر الطرق للوصول إلى القلوب والعقول، وهي أساس الثقة التي تُبنى عليها العلاقات. أمّا الكذب فلا يجلب إلا الشكوك والاضطراب وسوء الظن، ويُحوّل الموقف البسيط إلى أزمة معقدة قد يصعب السيطرة عليها.
الكاذب إنسان ضعيف الشخصية، يعاني نقصًا في داخله، وقد يكون تربيته أو مجالسة أهل السوء من أهم أسباب ذلك. بعض الناس يكذب كعادة حتى يصدق كذبه، فيروي قصصه باحتراف، ويُقنع من حوله بمغالطاته، بل يتلذذ بخداعهم وكأن الكذب بطولة تُكسبه إعجاب الآخرين.
وهناك من يكذب لتحقيق غايات عاجزة الوسائل الطبيعية عن بلوغها، فيعيش في دوامة من خوف الانكشاف، وإن كُشف أمره زاد إنكارًا، واختلق أعذارًا ومبررات واهية. وآخرون يكذبون بدافع العداوة أو الحقد أو الحسد، فيلصقون التهم بالأبرياء ويشوّهون سمعتهم لينالوا منهم، فيسلبون الناس حقوقهم ويُطفئون نور إنجازاتهم.
بل إن من أسوأ أنواع الكذب أن يتحوّل إلى لعب على المشاعر؛ حين يوهم الكاذب غيره بالحب أو الصدق، وهو في الحقيقة لا يحمل إلا الخداع والتمثيل. هنا تكمن الطعنة الأعمق، لأن الجرح لا يصيب العقل فقط، بل القلب والوجدان أيضًا.
والمشكلة أن الكاذب يشعر بلذّة لحظية حين يظن أنه أفلت من موقف محرج أو أوقع بغيره، غير مدرك أن هذه المتعة الزائفة سرعان ما تنقلب عليه. ولو كان صادقًا شجاعًا لمزّق ستار الكذب وواجه الحقيقة مهما كانت تبعاتها.
في النهاية، الكاذب مخادع ومحتال وتافه، يسقط من أعين الناس وتنهار قيمته في نفوسهم. ومن يكذب اليوم علينا سيبيعنا غدًا، ومن استهان بالكذب وقع في مهالك أعظم، لأنه يجهل عاقبته في الدنيا والآخرة.
فالكذب لذّة زائفة… ونهاية مخزية