من ذكريات التعليم في جازان

حمد دقدقي
لا يختلف نمط التعليم في المراحل الأولى في جازان عنه في بقية مناطق المملكة.
فقد كانت الكتاتيب تمثل البدايات الأولى للمدارس التقليدية، ووجد نمط آخر من المدارس التقليدية ازدهرت به المنطقة، قبل بدايات التعليم النظامي الحكومي، وهو مدارس الشيخ عبد الله القرعاوي، بالإضافة إلى الحلقات العلمية التي كان يقيمها بعض الفقهاء سواء في المساجد أو في بيوتهم التعليم الناس بعض العلوم الدينية واللغوية. ثم عرفت المنطقة – قبل بداية التعليم النظامي.
وجود بعض المدارس الأهلية التي كانت تتصل بالإضافة إلى الكتاتيب وحلقات التعليم – في محاربة الأمية التي كانت تعاني منها المنطقة في ذلك الوقت ، إلى محدودة النمطية الأخيرة من التعليم التقليدي في منطقة جازان، فإنه من أكثر أساليب التعليم انتشاراً في المنطقة، والتي كان لها أكبر أثر في تاريخ التعليم في المنطقة، قبل بدايات التعليم النظامي الحكومي في العهد السعودي وهي التعليم عن طريق الكتاتيب، ومدارس الشيخ القرعاوي.
أولاً – الكتاتيب :
هي نمط التعليم التقليدي المعروف ويطلق عليها أهالي المنطقة اسم (المعلمة). واختلفت طبيعة المكان الذي تقام فيه الكتاتيب على مستوى المنطقة فيوجد من المعلمين ويسمى واحدهم (الفقيه أو الشيخ) – من يستخدم إحدى الحجرات في منزله، ومنهم من يستخدم المسجد، وفي بعض المدن والقرى يخصص (عريش) يجتمع فيه طلبة العلم.
وكانت العملية التعليمية – آنذاك – تركز على تعلم القراءة والكتابة وتلاوة القرآن الكريم، وكان بعض الكتاتيب يتوسع في مناهج التعليم التي تدرس في حلقاتها، حيث يُعلم الطلبة الفقه والتفسير ، والحديث، والفرائض والنحو، ومبادئ الحساب… وغيرها.
وتتمثل طريقة التدريس في جلوس الطلبة على الأرض بشكل حلق، فيما يجلس المعلم على كرسي من الخشب.
ويحمل كل طالب إلى المدرسة لوحاً من الخشب مستطيل الشكل، له مقبض في أعلاه، ويدهن بورق العشرق حتى يكتسب اللون الأخضر، ثم يخطط وتكتب عليه الحروف الهجائية بخط واضح بقلم يتخذ من القصب (قصب الذرة) بعد أن يجف ثم يُبرى طرفه لتتكون الريشة التي يكتب بها.
وتتم الكتابة على اللوح بمادة سوداء تشبه الحبر تكون من مادة الصمغ الذي يستخرج من شجرة السمر، حيث يجرح ساق الشجرة وتخرج منه هذه المادة ثم تؤخذ وتُخلط بمادة تسمى ( الدمح) وهي التي تتكون في أعلى الفانوس عندما يتم إشعاله لفترة طويلة، فتؤخذ هذه المادة وتخلط بالصمغ والماء فيتكون الحبر الأسود ومن ثم تكتب به الحروف على اللوح ويبدأ الطفل في تهجي هذه الحروف حتى يتقنها قراءة وكتابة، ثم يبدأ في قراءة القرآن الكريم حتى يختمه قراءة فقط.
وكان الحد الأدنى من العمر لالتحاق الطالب بالكتاتيب ثماني سنوات، ويُقبل على هذه المدارس أبناء الذين تسمح لهم ظروفهم المادية بالاستغناء عن أبنائهم في القيام بمشاركتهم في كسب قوت يومهم.
أما فيما يتعلق بالأجرة التي يتقاضاها المعلم فهي أسبوعية، وتُسمى (الخميس) لأنه يقبضها يوم الخميس. وفي بعض الكتاتيب كانت الخميس قرشاً أو ما يعادله من الذرة وفي أخرى تعطى الأجرة من قبل ولي أمر كل طالب وتكون قيمتها حسب استطاعته. وعندما يختم أحد الطلبة القرآن الكريم يحتفى به ويُعطى معلمه مبلغاً من المال يصل إلى ١٠٠ ريال.
وفي بعض الكتاتيب يطوف الطالب الذي ختم القرآن الكريم مع زملائه في شوارع القرية ببشر بختمه القرآن الكريم وفي يده ورقة تسمى (بشيرة) مرددا ما كتب فيها من دعاء لوالديه والفقيه، وفي أثناء مروره على البيوت يحصل منهم على القروش والحب واما مكافأة له، إلا أنه يقدم كل ما حصل عليه من هدايا إلى معلمه اعترافاً بالجميل وتقديراً لما بذله من جهود في تعليمه، ولم يحصل الخريج على إجازة تدريس من قبل معلمه ..
ثانيًا – مدارس الشيخ عبد الله القرعاوي:
تعد المدارس التي أنشأها الشيخ عبدالله القرعاوي من أهم وسائل التعليم التقليدية التي شاركت في نشر التعليم ومحو الأمية في منطقة جازان قبل مجيء التعليم النظامي الحكومي.
والشيخ القرعاوي من مواليد عنيزة بالقصيم في عام ١٣١٥ هـ / ۱۸۹۷ م ، نشأ فيها وتلقى العلم على أيدي مشايخها، ثم سافر طلباً للعلم إلى الرياض والحجاز والأحساء ثم إلى الشام ومصر وقطر، ثم توجه إلى الهند، وعاد إلى الرياض ليقرأ على الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ الذي أشار عليه بعد ذلك بأن يتوجه إلى عسير وتهامة لنشر العلم.
وفي عام ١٣٥٨ هـ / ١٩٣٩ م وصل القرعاوي إلى جازان، وأنشأ أول مدرسة فيها في صامطة وتولى أمورها بنفسه، ثم توالى إنشاء المدارس في عدد من المدن والقرى.
و كان الشيخ في أول الأمر ينفق على هذه المدارس من ماله الخاص ومن تبرعات المحسنين. وما ساعد في الإقبال على هذه المدارس أن الدولة كانت تعطي كل دارس مكافآت تتراوح بين 2 و 10 ريالات، هذا بالإضافة إلى المكافآت التي تقدم للمعلمين.
وما ساعد على انتشار هذا النمط من التعليم أن أي طالب يتقن قراءة القرآن الكريم وكتب كان يُعين معلماً في القرى المجاورة، وقد تخرج في هذه المدارس عدد من المدرسين والقضاة وأئمة المساجد والحكوميين وغيرهم بل إنه يوجد من القضاة والمعلمين ممن تخرجوا من مدارس القرعاوي من استمر في العمل إلى عهد قريب.
ومن أهم ما ميز منهجية التعليم التي اتبعها الشيخ القرعاوي في مدارسه تقسيمه الطلاب إلى مستويين: احدهما للمبتدئين، وثانيهما للمتقدمين، وكلا القسمين يُدرس فيه القرآن الكريم، والتوحيد، والحديث والفقه والنحو، والتاريخ، والحساب، والخط، والإملاء، والإنشاء.
ولم تقتصر مدارس القرعاوي في جازان على تعليم الذكور فقط، بل تم افتتاح عدد من المدارس المختصة بتعليم البنات لتدريس المناهج نفسها.
بعد ذلك انتشرت في جازان – كما في كل أرجاء المملكة – المدارس الحديثة التي تعتمد الأساليب الحديثة في التعليم وحتى حلقات تحفيظ القرآن الكريم أخذت تعتمد الأسلوب الممنهج والطرائق الحديثة في التعليم، ولم يبق من الكتاتيب ووسائل التعليم التقليدية إلا ما يذكره بعض من عايشها من كبار السن، أو ما تعرضه وسائل الإعلام عنها.