أدب المرأة بين الإحباط والنفخ

حياة الرايس (*)
تعد الرسالة التي بعث بها الشاعر الأديب ” لوريث روبرت ساوثي” إلى الكاتبة “شارلوت برونتي”Charlotte Brontë واحدة من أكبر رسائل الإحباط في تاريخ الأدب الإنجليزي. عندما كانت في بداية حياتها الأدبية.
تضمنت الرسالة: نصيحة إلى الأديبة الشابة بالابتعاد عن الكتابة وعالم الأدب، وأن تعلم أن المكان الحقيقي للمرأة هو البيت، وتأدية الأعمال المنزلية.
أما الأعمال الأدبية فمن الأحسن أن تبتعد عنها. لأنها ليست من اختصاصها ولا يمكن ان تنجح فيها. وهي أمور لا تتذوقها المرأة عموما.
وكانت الكاتبة الشابة قد أرسلت إلى الأديب الكبير، بعض انتاجها وأعمالها الأدبية، من أجل أن تستطلع رأيه فيها كناشئة حينئذ، في العشرين من عمرها.
وكان هو في الثانية والأربعين.
تلقت شارلوت برونتي تلك الرسالة على عنوان منزلها في (هيوارث ريوركشير) في الثاني عشر من شهر مارس 1837عام .
“شارلوت برونتي” لم تضعف ولم تستسلم ولم تهن عزيمتها. واستمرت في مسيرتها الأدبية، معتذرة للكاتب الكبير عن إزعاجها له، لما أرسلته إليه من أعمال أدبية مرتجلة… واستمرت الرسائل بين الطرفين…
واستمر التحدي الذي أسفر في النهاية عن اصدار أقوى الروايات الشهيرة في الأدب الإنجليزي للكاتبة شارلوت برونتي منذ العصر الفكتوري. والتي من بينها الرواية العالمية المعروفة “جين اور” Jane Eure ولا تزال أرقام مبيعات الكاتبة برونتي تقفز وتتزايد حتى آخر اصداراتها، وقد وصل إلى الملايين.
كما أصبحت روايات برونتي مقررة على المدارس ضمن المناهج التعليمية على المستوى العالمي، وخاصة الرواية السابقة الذكر Jane Eure التي تعد من روائع الأدب الكلاسيكي.
وقد اعتبرت الرواية فريدة من نوعها في العصر الفكتوري، لما فيها من صدق وواقعية اتسمت بهما شخصية Jane Eure التي لم تكن في الحقيقة سوى شخصية “شارلوت برونتي” التي عاشت حياة مأساوية، أسهمت في اثراء تجربتها الأدبية. التي أسهمت بدورها في إثراء وتطوير الفكر الأدبي، للكثير من الكتاب على المستوى العالمي.
ليصبحوا بعد ذلك من عمالقة الأدب. وجزءًا من تاريخ تطور الحركة الأدبية العالمية.
واليوم وقد تغيرت الأمور، فلم نعد نرى على الأقل من يقابل نص الاديبة الشابة بمثل هذا الإحباط للعزائم. ولكننا نرى في المقابل احتفاء أحيانا مبالغا فيه بنص المرأة، باسم تشجيع “الأدب النسائي” (رغم أنني ضدّ هذا المصطلح المغرض) أو ما تكتبه المرأة.
فنرى نفخا ومدحا وتطبيلا يصل إلى حدّ الريبة، ويبعث على الشك. وهناك نصوص رديئة جدا وتافهة كتبتها المرأة (كما يحدث لدى الرجل تماما) وقع استقبالها والاحتفاء بها والدعاية لها.
وكتبت حولها عشرات المقالات، بشكل يدعو إلى التساؤل …. هل أنّ المحتفى به النص، أم صاحبة النص؟
………
(*) كاتبة تونسية تعيش في سويسرا