معرض الرياض للكتاب .. بناء مجتمع المعرفة

بخيت طالع الزهراني
منذ قرابة نصف قرن، ومعرض الرياض الدولي للكتاب، يشمخ في سماء عاصمتنا الحبيبة كمنارة للفكر، وملتقى للمثقفين، ومصدر شغف للأدباء، تولت إقامته بكل حرص، جامعة وعدة وزارات، ايمانا منها بدوره الفاعل في صياغة الوعي، وصناعة صداقة مستدامة مع الكتاب، وتجذير القراءة كحياة جميلة وعادة وغذاءً للروح.
بدأ المعرض في الظهور على مسرح حياتنا السعودية الثقافية عام 1978م، عندما نظمته جامعة الملك سعود (جامعة الرياض سابقًا) كان ذلك الحدث هو النسخة الأولى من معرض الرياض الدولي للكتاب، والذي أصبح منذ ذلك الحين حدثًا ثقافيًا سنويًا كبيرًا في المملكة، وتولته لاحقا وزارة التعليم العالي، فوزارة الإعلام، ثم وزارة الثقافة.
للوهلة الأولى ثمة من يعتقد أن المعرض منصة لبيع وتسويق الكتب فقط، وعلى الرغم من أهمية هذا الهدف الجميل، إلا أن المعرض تجاوز هذا الأفق الأحادي إلى آفاق أخرى، أكثر رحابة وأعمق أثرًا.
فالمعرض تجاوز كونه مجرد حدث لبيع الكتب، بل وصار منصة ثقافية شاملة، تهدف إلى تعزيز المشهد الثقافي من خلال الفعاليات والندوات وورش العمل، ومسقطا مهما من مساقط تسليط الضوء على الإبداع الفكري والأدبي.
إضافة إلى دعم صناعة النشر، من خلال توفير الفرص لدارسي النشر والكتاب للتواصل مع الجمهور وعرض أحدث الإصدارات. فوق تعزيز القراءة والاطلاع، وتوفير بيئة محفزة لاكتشاف الكتب والتعرف على تجارب جديدة.
ولقد نجح معرض الرياض الدولي للكتاب في تنويع المشهد الثقافي والفكري في المملكة العربية السعودية. ودعم المبدعين والكتاب والمترجمين لعرض أعمالهم والتفاعل مع الجمهور.
وعزز التبادل الثقافي بين المملكة والدول المشاركة، كقناة تفاعل وتفاهم وتلاق بين الثقافات المختلفة.
ولعل إطلالة سريعة على معرض الرياض الدولي للكتاب 2025 تكشف كم هو حدث ثقافي وأدبي مميز، انتظره عشاق القراءة والكتب في المملكة العربية السعودية. وقد انطلق هذا العام في 2 أكتوبر ويستمر حتى 11 أكتوبر في حرم جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، ويشهد مشاركة أكثر من 2000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 25 دولة. وببرنامج ثقافي حافل يضم أكثر من 200 فعالية، بما في ذلك ندوات ومحاضرات وورش عمل، ويحضره نخبة من الأدباء والمفكرين والمثقفين. كما يحتوي المعرض على ركن خاص للمؤلف السعودي، حيث يمكن للزوار مقابلة الكتاب وتوقيع كتبهم.
ومن أبرز الفعاليات التي تُقام خلال المعرض مسابقة الخط العربي، التي تُعقد بنسختها الثانية، وتهدف إلى تعزيز فن الخط العربي ودعمه. كما يُشارك في المعرض جناح خاص لأوزبكستان، التي تُعد ضيف شرف هذا العام، ويضم الجناح مخطوطات نادرة وطبعات قيّمة من التراث الأوزبكي.
ويوفر المعرض أيضًا مساحات للقراءة والاسترخاء، ومطاعم ومقاه، ومنطقة أعمال، مما يجعله وجهة مثالية لمحبي القراءة والثقافة. كما يشهد المعرض توقيع كتب لأبرز المؤلفين، وتنظيم العديد من الجلسات الحوارية والندوات الثقافية.
وبإجمالي 10 أيام، يعد معرض الرياض الدولي للكتاب 2025 فرصة فريدة لاكتشاف أحدث الإصدارات والتعرف على تجارب وآراء المفكرين والكتاب.
معرض الرياض منصة تؤكد على اقتصاديات الكتب والثقافة، وكمثال فنسخة العام الماضي 2024 حققت مبيعات تجاوزت 28 مليون ريال، حيث استقطب أكثر من مليون زائر خلال الفترة من 26 سبتمبر حتى 5 أكتوبر.
الجديد في معرض الرياض للكتاب 2025 كونه يضم العديد من الفعاليات الجديدة والمثيرة، منها موقع جديد حيث يقام المعرض في حرم جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، أكبر جامعة نسائية في العالم. وضيف الشرف، دولة أوزبكستان التي ستقدم برنامجًا ثقافيًا وفنيًا متنوعًا يُبرز مسيرة الأدب الأوزبكي. ومسابقة الخط العربي حيث يتنافس خطاطون محليون ودوليون في ثلاثة من أبرز الخطوط الكلاسيكية.
وشخصية “مكنون” حيث دشّنت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة شخصية “مكنون”، وهي شخصية خيالية خاصة بمكتبات الطفل، وتهدف إلى تعزيز حب القراءة لدى الأطفال.
وإصدارات جديدة متنوعة منها الأدبية والعلمية والثقافية، بما في ذلك كتب مترجمة بين اللغتين العربية والصينية.
وفعاليات تفاعلية مثل العروض البصرية التاريخية والشاشات الذكية التي تعرض مشاريع المكتبة وخدماتها الإلكترونية.
كل التحايا لوزارة الثقافة، ولإدارة هيئة الأدب والنشر والترجمة، أن صنعوا لنا حدثا ثقافيًا يليق بنا كسعوديين، ويؤسس لبناء مجتمع معرفي.