
الاتجاه – فواز المالحي
لم تكن الأندية الأدبية يومًا مجرد مبانٍ أو قاعاتٍ تُقام فيها الأمسيات، بل كانت في جوهرها منصاتٍ ثقافية تُشعل الوعي وتستفز الإبداع وتوثّق ملامح المشهد الأدبي. إلا أن المتابع اليوم يلحظ بوضوح حالةً من الركود والجفاف في هذه الأندية، سواء من حيث عدد المشاركين أو الحضور أو حتى الأعضاء الفاعلين.
غياب النبض
في السابق، كانت الأندية الأدبية تعجّ بالأسماء اللامعة، وتكتظ بالقُرّاء والمهتمين من مختلف الأعمار. كانت الأمسية الشعرية تُعدّ حدثًا، والندوة النقدية تُثير جدلاً ثقافيًا حيويًا. أما اليوم، فقد انحسر ذلك الوهج إلى حدٍّ لافت، وكأن الحرف فقد جمهوره، أو فقد النادي قدرته على الوصول إليه.
الأسباب متعددة… والمشكلة واحدة
يُرجع بعض المثقفين هذا التراجع إلى جمود الأسلوب التقليدي الذي ما زالت تتبعه كثير من الأندية، سواء في تنظيم الفعاليات أو في طريقة التواصل مع الجمهور.
بينما يرى آخرون أن ضعف الحضور الرقمي جعل الأندية بعيدة عن نبض الجيل الجديد، الذي يعيش أغلب وقته على المنصات الاجتماعية ويبحث عن محتوى تفاعلي وسريع.
كما لا يمكن إغفال عامل الإدارة والتجديد، إذ يشتكي عدد من الكتّاب الشباب من صعوبة الانضمام أو المشاركة، وكأن الأندية ما زالت حكرًا على أسماء محددة، مما أدى إلى نفور شريحة واسعة من المواهب الصاعدة.
منابر بلا جمهور
أصبحت الأندية تُقيم فعالياتها لمقاعد شبه فارغة، أو لحضور متكرر يعرف بعضه بعضًا، ما جعل النشاط الأدبي يبدو وكأنه طقس داخلي مغلق لا يهدف للتأثير ولا يتطلع للتجديد. وهنا تكمن الخطورة، لأن الأدب بطبيعته كائنٌ اجتماعي، لا يعيش في العزلة، ولا يزدهر إلا بالناس ومن أجلهم.
كيف نعيد الحياة إلى الأندية الأدبية؟
الحل لا يكمن في اللوم، بل في إعادة تعريف دور الأندية الأدبية في العصر الرقمي.
ينبغي أن تتحول إلى مساحات مفتوحة تحتضن ورش الكتابة، البودكاست الثقافي، المسابقات الأدبية، والأمسيات التي تُبث مباشرة للجمهور عبر الإنترنت ، والمسامرات الفنية الثقافية.
كما يجب أن تُمنح الفرصة للشباب لقيادة المبادرات الثقافية داخل هذه المؤسسات، ليشعروا بأنها تمثلهم حقًا، لا أنها تقف على مسافة منهم.
صوت الثقافة لا يموت
الأدب لا يجفّ، لكنه يحتاج إلى تربة جديدة تُنبت الإبداع، وأندية واعية تواكب التطور بدل أن تخشاه.
حين يدرك القائمون على هذه المؤسسات أن الحرف لم يعد حبيس الورق، بل أصبح يعيش في الصوت والصورة والشبكة، عندها فقط ستعود الأندية الأدبية إلى وهجها، وستستعيد مكانتها كبيوتٍ للثقافة لا كقاعاتٍ صامتة.
نقل الأندية الأدبية إلى المقاهي والأماكن العامة: جدوى أم تحدي؟
1. إيجابيات هذه الخطوة
-
زيادة الحضور والمشاركة: المقاهي والأماكن العامة عادةً أكثر جذبًا للشباب والمتابعين العابرين، بعكس القاعات الرسمية التي قد تبدو مغلقة أو مرهقة للالتزام.
-
كسر حاجز الرسمية: الكثير من الناس يشعرون أن النوادي الأدبية “حصرية” أو جافة، بينما البيئة غير الرسمية تشجع على التفاعل الحر والمشاركة العفوية.
-
التواصل المباشر والمرئي: يمكن دمج الورش القصيرة، القراءات الشعرية، والمناقشات بطريقة جذابة وسريعة، مما يجعل الأدب قريبًا من الناس.
-
تسويق فعال للأندية: كل شخص حاضر في المكان يصبح ناقلًا للخبر، ويزيد من انتشار الفعاليات دون تكلفة تسويق كبيرة.
2. التحديات المحتملة
-
تشويش البيئة: بعض المقاهي قد تكون صاخبة جدًا مما يصعب التركيز على القراءة أو النقاش.
-
الحفاظ على الجدية: هناك خطر أن تتحول الفعاليات إلى جلسات اجتماعية أكثر من كونها ثقافية بحتة، إذا لم يتم تنظيمها بعناية.
-
التمويل والدعم: قد تحتاج لجعل المكان متاحًا بشكل دوري ودعم لوجستي (صوتيات، مساحة للجلوس، طاولات للكتب)، وهذا يتطلب ميزانية.
-
توزيع الحضور: قد ينجذب البعض للأماكن العامة، بينما يبتعد أعضاء النوادي المعتادون الذين يفضلون القاعات الرسمية.
3. نماذج ناجحة يمكن الاقتداء بها
-
بعض جمعيات الأدب والثقافة في المدن الكبرى تنظم قراءات شعرية وورش كتابة في المقاهي، المكتبات، وحتى الحدائق العامة، وحققت نجاحًا ملحوظًا في جذب الشباب والمبدعين الجدد.
-
مثال: جمعية الأدب بالرياض أو جدة، حيث تم تنظيم “أمسيات مفتوحة” في مقاهي معروفة، وحصلت على تفاعل أكبر من الحضور التقليدي.
4. نصائح لجعل التجربة ناجحة
-
اختيار أوقات مناسبة بعيدًا عن ازدحام المكان.
-
تحديد عدد محدود من المشاركين للحفاظ على جودة الحوار.
-
مزج الأنشطة التفاعلية مع القراءة والمناقشة، مثل جلسات “قراءة 10 دقائق + مناقشة”.
-
توثيق الحدث رقميًا ومشاركته على وسائل التواصل لجذب جمهور أوسع لاحقًا.