البوصلة

محمد الرياني
كلُّ شيء تبدَّلَ في لحظات ، وكأنه أمرٌ منها بأنَّ المكانَ لايستوعب فرحتها الكبرى برؤيته .
وقفتْ بينهن وقالت للمساء مالم تقله من قبل .
قالت إن الاتجاهَ ليس في الطريق الصحيح ، وأن حبيبي لايمكن أن يجلس في مكان لايليق به .
اختارت حيلةً لتغيير كلِّ شيء في المكان ، وأن الليلَ سيكون أجمل عندما يتغير الاتجاه .
سرتْ حالةٌ من الذهولِ على وجوه الحاضرين ولكنهم أذعنوا للكلمة التي لا يمكن أن تسقط على الأرض.
اتجهوا صوبَ أمرها وذهب هو معهم ولايعلم حقيقةَ مشاعرها نحوه ، وأن الحبَّ يَكتبُ على سطورِ الظلامِ نورًا من حرفين أو ثلاثة .
في الاتجاهِ الصحيحِ لم يستطع أن ينظر إلى الأمامِ كي يستوعب الحدثَ الذي أمامه ، ولم يُصفقْ كثيرًا كما كان يفعل جاره على المقعد كي يشعلَ جذوةَ الليلِ وفتيلةَ الحدث .
قال له مَن بجواره وهو يتفحص معالمه : ألا تصفق !
لقد جاءتْ سيرةُ الحبِّ في ثنايا الحدَث ، هزَّ رأسه بأنه يستوعب ولكنْ لا مزاجَ له كي يصفقَ أو تصطدمَ كفٌّ بأخرى .
بقيَ ينظر كما الآخرون ولكن بعينين مختلفتين ، وظلَّ ينظر وذاكرته تستعيد تلك الوقفةَ الرائعةَ التي أنستْه الشيءَ الذي جاء من أجله.
مضى الليلُ سريعًا وهو ينتظر وقفةً أخرى تودعه مثل تلك التي استقبلتْه ، غير أن المكانَ انفضَّ وبقي يردد كلماتِها التي شكلتْ ميثاقًا .
ترك المكانَ وعاد باتجاه البوصلةِ المعاكسة وهو ينظر إلى الجهةِ التي تبدلتْ قبل الحدث.
نظرَ إلى المقاعدِ الخاليةِ من الأجسادِ باستثناءِ مقعدٍ كأنَّ روحًا تسكنه ، سأل المقعدَ الذي فاضت منه الذكرى فلم يجد سوى الصمت .
وضع يدَه على قلبه المثقلِ بالتعبِ واستجمعَ قواه وخرجَ من البابِ القريب .
انتصفَ المساء ، الساعةُ تتجاوزُ الثانية عشرة ليلًا ، فعل كالمجنون ، ألقى قبلةً على جنبه الأيمن ، ثم تبعها بأخرى على جنبه الأيسر ، أتبعَها بزفرةٍ حارقة ، قال لنفسه يستفسر منها : كلُّ هذا من أجل أنها بدَّلتْ بوصلةَ اللقاءِ من أجلك .
أضاف سؤالًا آخر ، منذ متى وأنت لم تذقْ مرارةَ أسئلةّ أو وقفةٍ هائلةٍ تدعك تتركُ الحدثَ وتبحثُ عن هُويةِ حبٍّ لم تتأكد منه .