ما بين الطمع والطموح

أميمة عبدالعزيز زاهد
الحياة مليئة بالتجارب التي تترك فينا أثرًا وتعلّمنا دروسًا، ومن أهم ما يحتاجه الإنسان في رحلته هو الطموح؛ لأنه المحرك الداخلي الذي يدفعه للاستمرار ويمنحه القدرة على مواجهة التحديات. فبدون طموح لا يستطيع الفرد أن يتطور أو يحقق أهدافه، فهو الوقود الذي يشعل الرغبة في العمل ويقوّي العزيمة للوصول إلى ما يتمنى.
فالطموح يولد داخل النفس ليكسبها قوة مضاعفة، وقد يكون نابعًا من تحديات أو كبت داخلي، لكنه يظل دائمًا قوة لا يُستهان بها. وتتنوع أشكاله بين طلب العلم، أو السعي للمكانة، أو تحقيق الأثر الإيجابي في المجتمع، وفي كل الأحوال يبقى الطموح صفة إيجابية إذا ارتبط بالوسائل المشروعة والأخلاق السليمة.
ومع ذلك، فإن الطموح إذا لم يُضبط بميزان الحكمة قد يتحوّل إلى هوسٍ يجرّ صاحبه إلى التطرّف. فالتاريخ مليء بأشخاص بلغوا القمم بفضل طموحاتهم، وآخرين هوت بهم رغباتهم حين تجاوزوا حدود المسموح. ومن هنا يبرز السؤال: متى يتحوّل الطموح إلى تهوّرٍ لا تُحمد عقباه؟
الفرق بين الطموح والطمع دقيق للغاية، فبينهما شعرة قد تنقطع بسهولة. الطموح مشروع لأنه قائم على الاجتهاد وبذل الجهد، أما الطمع فهو أنانية تسعى لاغتصاب حقوق الآخرين. الطموح يرفع صاحبه بالحق، بينما الطمع يُسقطه في الأنانية والسخط وعدم الاكتفاء.
وفي مجتمعاتنا اليوم، تتداخل المفاهيم حتى لم نعد نفرّق بين من يسعى بجهدٍ لبناء ذاته، ومن يتسلّق على أكتاف الآخرين لتحقيق مكاسب شخصية. فكم من شخصٍ رفعه طموحه فكان سببًا في نهضة مجتمعه، وكم من آخر أسقطه طمعه فأفسد بيئة العمل وأضعف روح التعاون!
إن الطموح الحقيقي لا يعيش في عزلة، بل يُثمر حين يُترجم إلى عطاءٍ جماعي، فيكون الفرد جزءًا من منظومة تسعى للرقي العام، لا لمجدٍ شخصي زائل. أما الطمع، فيمزّق الروابط ويزرع الحسد والمقارنة، ويحوّل العلاقات الإنسانية إلى ساحة تنافسٍ غير شريف.
ولعلّ ما نحتاجه اليوم هو أن نعيد للتوازن قيمته، فنعلّم أبناءنا أن الطموح لا يعني الأنانية، وأن النجاح لا يكتمل إلا حين يكون نفعه ممتدًا للآخرين، فالمجتمع لا يُبنى بالطامعين، بل بالطموحين أصحاب الضمير والوعي.
كما أن العظمة لا تُقاس بما نملكه، بل بما نمنحه ونحن نصعد بسلم الطموح 
همسة صدق
بين الطموح والطمع شعرة، من حفظها ارتقى، ومن قطعها سقط في هاوية الأنانية.
فالطموح يبني، والطمع يهدم.
				


