يوم الخُلَّيْف”: نساء مكة يؤنسن الحرم في غياب الحجاج

مكة المكرمة – فواز المالحي :
بينما تتجه أفئدة المسلمين من حجاج بيت الله الحرام نحو صعيد عرفات الطاهر في التاسع من ذي الحجة، ليشهدوا أعظم أركان الحج، تتحول قبلة نساء مكة المكرمة، وخاصةً اللواتي لم يتيسر لهن أداء الفريضة، نحو المسجد الحرام لإحيائه بالصلاة والطواف والعبادة في يوم يُعرف محليًا بـ “يوم الخُلَّيْف”.

تسمية متوارثة وعادة أصيلة
يُطلق أهالي مكة هذا الاسم على يوم عرفة، وهو تصغير لكلمة “خَليف” التي تعني المتأخر أو من يأتي بعد القوم. ويعود سبب التسمية إلى أن زوار الحرم في هذا اليوم هم في الغالب ممن تخلفوا عن ركب الحجاج أو عن خدمة ضيوف الرحمن في المشاعر المقدسة. هذه العادة، التي توارثتها الأجيال، تعكس ارتباطًا عميقًا بين أهل مكة وحرمهم الشريف، ورغبتهم في إعماره بالعبادة حتى في أوقات غياب الزوار الأوائل.
“مؤنسات الحرم” يُحيين الشعائر
مع بزوغ فجر يوم عرفة، تتوافد النساء، بصحبة أطفالهن غالبًا، إلى ساحات المسجد الحرام وأروقته. هناك، يقمن بالصلاة، وأداء الطواف، وقراءة القرآن، والدعاء، في مشهد روحاني يعوض غياب الأعداد الكبيرة من الرجال الذين يتفرغون لخدمة الحجاج أو أداء مناسكهم. ولهذا، تُعرف النساء في هذا اليوم بـ “مؤنسات الحرم”، كونهن يُؤنسن المكان في غياب جموعه المعتادة.
وفي تقليد جميل، تفضل الكثيرات منهن الصيام في هذا اليوم المبارك، ليفطرن جماعيًا في ساحات الحرم بعد أذان المغرب، في أجواء تغمرها الألفة والمحبة.
من العبادة إلى الاستعداد للعيد
لا يقتصر يوم الخُلَّيْف على الجانب الروحاني فحسب، بل يمتد ليشمل جانبًا اجتماعيًا واقتصاديًا. فبعد قضاء ساعات طويلة في العبادة وإحياء الشعائر، تتحول وجهة العديد من العائلات المكية إلى الأسواق والمراكز التجارية المحيطة بالحرم. يعتبر هذا اليوم بمثابة فرصة للاستعدادات النهائية لعيد الأضحى المبارك، وشراء المستلزمات والملابس الجديدة، مما يضفي على اليوم بُعدًا احتفاليًا وترفيهيًا للعائلات، خصوصًا الأطفال.
“يوم الخُلَّيْف” ليس مجرد يوم في التقويم، بل هو جزء أصيل من النسيج الاجتماعي والثقافي لمكة المكرمة، يعكس مدى تقدير أهلها للحرم، وحرصهم على إعماره بالعبادة، والتلاحم الأسري في أوقات الطاعة والأعياد.