google-site-verification: google5690d0d4babd69ee.html
صحيفة,أخبار,جريدة,صحف,جرائد,أخبار اليوم,أخبار عاجلة,آخر الأخبار,صحيفة إلكترونية,صحيفة رقمية,منصة أخبار,بوابة إخبارية
مقالات

تساؤلات حول وجود الكاتب وعلاقته بالمتلقي

ريما الكلزلي

هل يكتب الكاتب لنفسه، أم أنه يسعى لترك أثر عميق في وعي المتلقي، يعيد عبره تشكيل أفكاره ورؤاه؟

 من يمتلك سلطة الحكم على تفوق الكاتب؟

 أهو المتلقي الذي يعيد إنتاج النص بقراءاته المتعددة، أم الزمن الذي يمنح النص حياة أطول؟

 وهل يكشف النص عن وجود الكاتب الحقيقي، أم أنه يذيب وجوده كجزء من عوالمه؟

 تتوالى التساؤلات في فضاء النص فهل يمكن أن يوجد الكاتب دون قارئ يعيد انتاج نصوصه بمعانٍ جديدة؟

 هذه التساؤلات تتجاوز الطرح النظري لتلامس جوهر العملية الإبداعية وتشير إلى إشكاليات عميقة حول مفاهيم الابداع، التلقي، والاعتراف الأدبي.

إذا سلمنا بنظرية التلقي التي تمنح النصوص وجودها عبر القارئ فقط، فهذا يعني أن التفاعل الشعوري والوجداني والنفسي للقارئ هو الذي يستخلص المعاني المعرفية الجمالية والفنية، سواء بالتحليل، أو التأويل، أو التذوق. بناء على ذلك تصبح الثلاثية (الكاتب، النص، المتلقي) محكومة بعلاقة ديناميكية تختلف باختلاف الثقافات والحمولات الاجتماعية، التي تحدد طبيعة فهم النصوص واستقبالها. إذ يُسهم كل من الكاتب والمتلقي في تشكيل المعنى وتفسيره.

منذ اللحظة الأولى لإطلاق النص، تبدأ الدراسات النقدية في محاولة لبيان فاعليته، وأفضليته بين سلطتي الإنتاج والتلقي. وذلك بمحاولات تسعى لفهم النص، ومقاربة معانيه، ودلالاته المُحتملة، مما يجعل القارئ طرف أساسي لفاعلية هذه العملية، متزامنًا مع مفهوم أفلاطون القائل:” لا معرفة دون استنباط من حرية فهم العمليات الانتاجية” (1).

إن الطريقة التي يتحقق بها الفعل الأدبي تستدعي وضع النص تحت التحليل ومعرفة شروط إنتاجه. وبين هذين الفعلين يتجاذب النص قطبان مهمان حسب آيزر، وهما القطب الإبداعي خلال مرحلة كتابة النص التي يتسيدها الكاتب، والقطب الجمالي الذي يمثله القارئ خلال فعل التلقي. هذه الثنائية تؤكد استحالة المطابقة بينهما. إذ تتطلب العلاقة بين النص والقارئ طبيعة افتراضية لا يمكن اختصارها بين حقيقة النص وذاتية القارئ فتبقي النص حيًا وديناميكيًا، بعيدًا عن الاكتمال والجمود.

عبر وجهات النظر المُختلفة، يُمنح الأثر الأدبي حركية تجعل النص في حالة تجدد دائم. وبغض النظر عن طبيعة نسيج النص وشظاياه الزئبقية، التي تزيد من زخم معانيه، تبقى مسالة الاستقرار عند معنى نهائي إشكالية مستمرة.

بين الكاتب والقارئ، يعرّف فان ديك النص بأنه” نتاج لفعل وعملية إنتاج من جهة، وأساس لأفعال وعمليات تلقٍّ واستعمال داخل نظام التواصل والتفاعل من جهة أخرى” (2)، هذا التعريف ينطلق من أقطاب العمل الثلاثي، الانتاج والاستقبال والتفاعل، وبذلك يتجاوز المفهوم الجامد والساكن للنص إلى مفهوم أكثر ديناميكية دائم الإنتاج لأنه مستحدث بشدة، ودائم التخلق لأنه دائمًا في شأن بيان أو ظهور، ومستمر في الصيرورة، لكونه متحركًا وقابلًا للتجدد عبر الزمان والمكان.

تتولد فاعليته من ذاتيته النصية، فيتحرر من سلطة الكاتب. هنا يتحرر النص من سلطة الكاتب ليصبح ملكًا للقارئ. وقد عزز هذا المفهوم نظرية ” موت المؤلف” لرولان بارت التي تمنح القارئ سلطة إعادة بلورة النص وتشكيله وفق رؤاه الخاصة التي يحتفي بها الصرح النقدي مانحًا إياه سلطة خاصة به وفق إطار نظرية جمالية التلقي. القارئ حسب نظرية التلقي هو شريك فاعل بل أساس في النقد الأدبي، باعتبار النص يستحدث حوارًا مستمرًا مع القارئ بحيث يكون العين الفاحصة والذواق في ضوء ثقافته بمعزل عن الكاتب.

فهل يرتهن وجود الكاتب بوجود المتلقي؟ للإجابة عن هذا السؤال يجب أولًا فهم طبيعة التفاعل بين النص والمتلقي. الكاتب هو القارئ الأول لنصه، بمعنى أنه متلقٍ يعيش تجربة النص بكل تفاصيلها أثناء الكتابة. من جهة أخرى، يمنح القارئ النص حياة جديدة من خلال قراءته وتأويله، فالقراءة هي الفعل الذي يجعل النص حاضرًا في زمن قارئه، وتحقق وجوده.

في ثنائية النص والمتلقي، يظل العمل الأدبي غير مكتمل، ينتظر قارئًا يمنحه معنى جديدًا، فيكون مرتهنا له في فك شيفراته ورموزه. والمتلقي كذلك لا يصل إلى مبتغاه إلا من خال عملية القراءة، التي تعد” فعالية تفترض قبلًا وجود نص ووجود متلقٍ، وتفاعلًا بين النص والمتلقي”(4).

التفاعل هو بمثابة اختراق لدهاليز النص وسبر أغواره وتأويله، وهذا هو جوهر عملية التحاور بين الطرفين. نص بدون قارئ مجرد كلمات جامدة على الورق، فيكون هناك فراغ عبر عنه آيزر بتقديم مسلكًا لفعل القراءة من خلال تقريب المتلقي من النص، لكي يثير عملية التخييل، بمعنى خلق التفاعل بينهما، بحيث اعتبر أن ” ما يميز النص الأدبي بصفة عامة والسردي بصفة خاصة، هو عدم الاتساق بين أجزائه، أي أن النص عبارة عن أجزاء متجاورة، ولكنها غير متصلة، ومهمة القارئ هي جعل تلك الأجزاء والعناصر النصية متصلة ومتماسكة، وعدم الارتباط بين أجزاء النص، هو مايسمى الفراغ أو البياض…، ويؤدي ملؤه إلى تفاعل أنماط النص”(5).

 في العودة إلى ثنائية المؤلف والمتلقي نجد أن فكرة موت المؤلف التي قال بها رولان بارت، تسعى إلى تغييب الكاتب عن منتجه ليطغى على النص صراع وجذب بين الإنتاج والتلقي. فطالما فهمنا العلاقة بين النص والمتلقي من خلال القراءة، سنعيد الاعتبار للمؤلف بملكية النص، فكلما فهم القارئ المستوعب لنص كان شريكًا في تشكيل المعنى بشراكة مشروعة تؤكد أن النص كُتب له. فالمؤلف يصنع قارئه تمامًا كما يصنع أناه الثانية.

في النهاية يُعد التحام آلية الإنتاج بالتلقي من منطلق أن المؤلف هو نفسه أول متلقٍ وقارئ لعمله، قبل أن يفاجئ متلقيه يفاجئ نفسه. وبهذا يكون الإنتاج شكلًا من أشكال التلقي، فالكاتب قبل أن يخلق عمله الأدبي يكون مشحونًا بثقافة الجماعة والظروف التي صقلت ملكته، ولحظ الكتابة يحضر في ذهنه أنه هو المتلقي الأول، فينصهر منتج النص بمتلقيه، ولهذا السبب يكون” استحضار القارئ ضرورة بالنسبة لإنتاج النصوص، فالعلاقة تشاركية بين الكاتب والمتلقي بحيث لا يمكن للكاتب أن يكتب إلا من خلال استحضار المتلقي. كما لا يمكن إحداث فجوة بينهما، ولكن يظل المُنتج يقترب من القارئ ليشاركه همومه، وانشغالاته، ليخص متلقيه الحقيقي إلى إدراك القيمة الثقافية في العمل الأدبي. فتنشأ العلاقة بين النص والمتلقي من فعل التلقي والإنتاج في الأساس. لذلك الكاتب ليس مرهونًا بالكامل بالمتلقي، لكنه يصبح أكثر اكتمالًا عندما يجد صدى نصوصه يتشكل في وعي الآخرين. وجميع الدراسات أكدت حسب ياوس أن أي عمل إبداعي سردي إلا عبر تلقيه. وتكاد تكون المسلّمة الأولى في جدلية العلاقة العضوية بين (المؤلف، النص، المتلقي) تربط ثلاثية الابداع الأزلية.

الكاتب هو القارئ الأكثر إخلاصًا لمنجزه، وفي الوقت نفسه يحتاج إلى قارئ يعيد إنتاج نصوصه بمعانٍ جديدة، مانحًا إياه أكثر من حياة، وعلاقة الكاتب بالمتلقي تترفع عن التنافسية أو التفوق، فهي علاقة ديناميكية تثري النص، وتؤكد أن الكتابة في جوهرها فعل ذاتي تفاعلي يعبر فيه الكاتب عن رؤيته للواقع، ولكن هذه الرؤية يحولها المتلقي إلى حدث ثقافي واجتماعي، فيمنح الكاتب نوعًا من الخلود الأدبي.

————–

المراجع:

1-  هانس روبرت ياوس، جمالية التلقي من أجل تأويل جديد للنص الأدبي، منشورات الاختلاف، الجزائر،2016، ص 95، 96.

2-  محمد عزام، النص الغائب، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2001، ص 16.

3-  روبرت سي هولب، نظرية الاستقبال، دار الحوار، دمشق، ص 261.

4-  محمد القاسمي، قضايا النقد العربي المعاصر، دار يافا العلمية، عمان 2010، ص 49.

5-  بوشعيب السارودي، الرحلة والنسق، مؤسس الرحاب الحديثة، بيروت ، 2017 ، ص74.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com