رواية “ذكريات دامعة” لسميرة خاشقجي قراءة نقدية ببيت الرواية السعودية

الاتجاه – جدة
عقد بيت الرواية السعودية المناقشة الافتراضية الثانية حول رواية “ذكريات دامعة”، لأول روائية سعودية، الأديبة سميرة خاشقجي. دار الحوار والمداخلة على النحو التالي:
بدايةً …. قدّم الأديب الناقد أ. الصادق عبدالرحيم، من السودان ورقة نقدية، قال فيها:
مناقشة رواية “ذكريات دامعة” لسميرة خاشقجي .. مكتوب على الغلاف “قصة” وليس “رواية”، وهي رواية قصيرة تقع في مائة وثلاث وثمانين صفحة.
طبعتها منشورات زهير بعلبكي، بيروت، عام 1961، وهذا يعني أن عمر الرواية أكثر من ستين سنة. كتب المقدمة سمو الأمير نواف بن عبدالعزيز آل سعود بتاريخ 14/7/1961م.
العنوان
العنوان، كونه العتبة الأولى للنص، يكشف فكرة ومحتوى الرواية، وإن أحداثها محزنة. هذا النوع من العنونة كان شائعاً لدى القاصين والروائيين القدماء. في المقابل، يحرص الأدباء اليوم على اختيار عناوين غير كاشفة، وقد تكون غامضة أو موحية، لإخفاء الفكرة بغرض الإثارة والتشويق.
الغلاف
يُظهر الغلاف زهوراً بيضاء ذابلة على خلفية سوداء وحمراء، ما يوحي بالحزن والانقباض.
الإهداء
الإهداء كُتب إلى “الحبيب الوحيد”.
موضوع الرواية
تحكي الرواية قصة أرملة لها ابنة وحيدة تُدعى سلوى. تزوجت سلوى من أحمد وسافرت معه إلى أوروبا، وهناك أنجبت ابنتهما الوحيدة “عهد”، ثم توفيت.
ترك أحمد ابنته عهد مع جدتها وعاد إلى أوروبا. كبرت عهد ودخلت المدرسة، وتعرفت على علاء، حيث نشأت بينهما علاقة عاطفية بريئة. كانا يتبادلان الرسائل.
يسافر علاء إلى سويسرا لدراسة الآداب، بينما تبقى عهد تدرس في جامعة محلية. بعد انتهاء الدراسة، يتعرض علاء لحادث يفقده سمعه، فيصبح أصماً. يقرر علاء قطع علاقته بعهد اعتقاداً منه بأنها لن تقبله بعاهته، فيتوقف عن مراسلتها.
علاء، الذي يهوى الأدب، يصبح كاتباً مشهوراً ويغير اسمه إلى “عصام عزمي”.
يتقدم دكتور عادل، أحد أقارب عهد، لخطبتها. ترفض في البداية، لكنها توافق لاحقاً بعد انقطاع رسائل علاء وجهلها بمصيره.
عادل، زوج عهد، متخصص في أمراض الأذن والأنف والحنجرة. يلتقي بعلاء الكاتب الأصم من دون معرفة سابقة ويحاول معالجته.
لم يكن عادل يعلم بالعلاقة السابقة بين زوجته عهد وعلاء. وعندما يعلم عن طريق أصدقاء الطرفين، ينفصل عن عهد.
في النهاية، ترتبط عهد بحبيب عمرها علاء، رغم إصابته بالصمم، حيث أصبح كاتباً مشهوراً.
تحليل النص
تنتمي الرواية إلى المرحلة الرومانتيكية التي سادت في منتصف القرن العشرين، ومن أشهر روادها المصري محمد عبدالحليم عبد الله.
الشخصيات تعيش في خيالات وأوهام. الرواية تفتقد الواقعية كثيرًا، ولا تمثل المجتمع السعودي، الذي يفصل بين الذكور والإناث، ولا يتيح لهما المقابلات والسباحة في البحر. الرواية تدور في عوالم السعوديين الأثرياء الذين يقيمون في العواصم العربية الكبرى، ويتطبعون بعاداتها وتقاليدها. حتى الأسماء في الرواية غير سعودية. كما أن أحداث الرواية مليئة بالمصادفات الغريبة.
الرواية مقسمة إلى فصول متعددة، وهذا يتيح للقارئ التوقف للاستراحة.
طريقة السرد تقليدية، تخلو من التوليف بتقديم وتأخير الأحداث أو التلاعب بالزمن وخلطه. ترتيب الأحداث في الرواية يجري حسب التراتب الزمني.
تخلو الرواية من تقنيات السرد الحديثة، مثل تداعي الحواس، وتيار الوعي، والمناجاة الذاتية، والارتداد (أو الفلاش باك)، والتناص، وإن كان بها توظيف للحلم. لكن توظيف الحلم هنا لم يكن جيدًا؛ ففي الحلم تنشق الصخرة ويختفي علاء نهائيًا، بينما المفروض أن يظهر بعد فترة.
نسبة الجمل السردية إلى الجمل الحوارية متعادلة تقريبًا، وهذا قلل من رتابة السرد وأتاح للشخصيات إظهار أفكارها والتجادل في القضايا الفكرية والاجتماعية. واستخدمت الكاتبة ضمير الغائب، وهو محايد، مما جعل الكاتبة في موقف الحياد، فلا تتدخل لإبداء آرائها أبدًا.
اسلوب الكاتبة واضح وسهل ممتنع، يخلو من الغموض والإبهام والرمزية، بلغة عربية سليمة. كما أن الحوار بين الشخصيات باللغة الفصحى. وكان أسلوب الكتابة، في بعض الفقرات، أقرب إلى الشعر.
على وجه العموم، الرواية جيدة جدًا إذا قارناها بالروايات والقصص التي أُلفت وطُبعت في السنوات المعاصرة لها. وإذا راعينا حياة المؤلفة وظروفها الاجتماعية التي تمنعها من الظهور، حتى إنها كانت تكتب الروايات والقصص باسم مستعار هو “سميرة بنت الجزيرة العربية”. وتكشف الرواية أيضًا عن وجود حركة في التأليف الروائي في المملكة السعودية أوائل ستينيات القرن الماضي.
وقالت الأستاذة جواهر القرشي:
مع احترامي الشديد لشخص الكاتبة رحمها الله، وتقديري لمسيرتها الأدبية والثقافية والحياتية، أذكر أني قرأت روايتها هذه و”بريق عينيك” في مرحلة الثانوية. عندها كان استيعابي لها وتأثري بأحداثها يغلب عليه عاطفة المراهقة والرغبة في معايشة مشاعر علاء وعهد. أحببت وقتها حرف العين. استغرقت قراءتها الآن ٤٥ دقيقة (مع إعادة قراءة الرسائل بينهما).
قراءة سلسة، مفردات رقيقة، لغة بسيطة، وتدرج أحداث لطيف بين الأبطال وأصدقائهم. حشد درامي مفتعل، وصدفة مختلقة، وتوقع واضح (فقد السمع عند علاء، وأن عادل طبيب أنف وأذن).
تأثرت الكاتبة بالكتاب المصريين، وطبيعة الحياة والمجتمع في مصر لا تمت بصلة لكونها بنت الجزيرة.
شاهدتُ في هذه الرواية فيلمًا مصريًا بتأثيرات هندية درامية وكبت مشاعر بمفهوم شرقي، وخرجتُ بمستفاد خليجي: بلا حب، بلا وجع قلب.
وختمت بذكر أن قصة “ذكريات دامعة” فيها رومانسية وسلاسة في الإلقاء، لكنها من زمن آخر ومفاهيم وأخلاقيات من عاش في مصر في ذاك العصر.
لعل “سميرة بنت الجزيرة” (رحمها الله) لو كانت كتبتها الآن، لكانت حكت بشكلٍ آخر تمامًا.
أما الكاتب أ. حامد الشريف، فقال في مداخلته:
لا أنكر أن قص القصة، على مستوى الكتابة السردية، ضعيفة جدًا، ولا تبتعد كثيرًا عن رواية “التوأمان” لعبد القدوس الأنصاري. ولا تحمل من الجزيرة العربية وعاداتها وأسلوب حياتها غير اسم كاتبتها فقط، فهي تتحدث عن حكاية مصرية ساذجة جدًا، وغير واقعية، ومفككة.
تلعب القصة على عواطف القارئ، وتصدمه ببعض الأحداث الحزينة المفاجئة، مثل موت أم عهود وحادث علاء، وهي نوع من الإثارة المصطنعة التي لا يغفرها القارئ الواعي للكاتب.
خلاصة القول: هذه التجارب البدئية جدًا تشير إلى الصعوبة الكبيرة التي عانت منها الرواية السعودية في بداياتها.
وبالمناسبة، أنا لست مع من يشبّه هذا العمل بكتابات إحسان عبد القدوس الفخمة، والمنطقية، والمغرقة في الأدب، بلغتها الراقية، وأسلوبيتها المميزة، وسرديتها المتقنة، حتى وهو يكتب القصة الصحفية.
هي مجرد محاولة بسيطة لتدوين ما يشبه السرد لا أكثر، ولم تكن حتى مواكبة للكتابة التي تزامنت معها في بقية الأقطار العربية.
..
وكان للأستاذة صباح عبدالله رأي فيما يخص رواية “ذكريات دامعة”، حيث قال:
من منظوري كقارئة محبة للروايات، ولم أعتنق النقد الأدبي بعد، لم تلامسني في أي شيء، سوى فضول دفعني لأبحث أكثر عن الكاتبة.
أما عدا ذلك، فلم أشعر أني أقرأ لرواية سعودية. كما ذكر الإخوة، كانت كأنها قصة فيلم مصري قديم، كتب بلغة رقيقة ومشاعر غير ناضجة.
ربما يكون هذا العمل مناسبًا لفئة عمرية معينة.
أما الأكاديمي والناقد د. ياسر مرزوق فكان له مداخلة عن النقد بصفة عامة وعن رواية ذكريات دامعة بصفة خاصة بقوله:
إن على الناقد ألا يغفل سياقات أي عمل إبداعي، وظروفه التاريخية، ومعطياته الاجتماعية. بل علينا أن نقرأ مثل هذه الأعمال وفق معطاها السياقي واللحظي، وليس علينا عقد الموازنات بينها وبين واقع الرواية اليوم.
إن علينا مراعاة تلك الحِقب وظروفها ومؤثراتها، مؤكدين على ما مرت به الرواية من تطورات في خطها الأفقي الزمني.
سميرة خاشقجي، في تلك الحقبة، كانت تدرك خطورة مغامرتها الإبداعية -إن صح التعبير-على المستوى الاجتماعي، وما التخفي وراء اسم مستعار إلا تضحية بالإبداع الشخصي في سبيل عدم الخروج على، أو عن، السياق الاجتماعي العام؛ فكان أن انعكس مثل ذلك على النسق الداخلي لقصتها، لتوصف بالوهن والتفكك والتصنع… وكل ذلك وارد.
لكن خاشقجي كانت تدرك أن عليها كسر كثير من التابوهات، وتخطي العديد من العقبات، حتى لو جازفت بالأحلام، وخلقت أحداثًا مفككة أو مهلهلة.
ولا بد هنا من الإشارة، بل والتساؤل: لماذا كان على القاصة أن تنقل فضاء قصتها السردي من محيطه المحلي إلى محيط آخر خارجي؟!
قد كان لزامًا عليها القيام بهذه الخطوة نحو فضاء آخر كان سابقًا إلى الحرية والانفتاح؛ فلعله يأتي اليوم الذي ينفتح فيه فضاء القص المحلي على مصراعيه، وقد كان!
إن روايات البدايات لا تخلو من مباشرة، وبساطة، وسطحية، وأحيانًا سذاجة، لضرورة اقتضاها سياق وظرف وطبيعة تلك الفترة، حتى على مستوى أقطار عربية سبقت الرواية في السعودية في هذا المضمار (زينب – ثلاثية مصر القديمة – قنديل أم هاشم…).
ومثل ذلك لا يقلل بحال من القيمة التاريخية والريادية لمثل تلك الأعمال؛ لكنه قدر السبق والبدايات!
المؤلفة سميرة خاشقجي