ثقافة و فن

قميص الشتاء

محمد الرياني

لا أعرف ما الذي دعاني لارتداء الثوب الأسود المخطط بالأبيض مع بداية صباح شتوي، ليس لفصل الشتاء سبب في أن أظهر مختلفًا عن الذين يفضلون الملابس البيضاء.

 فصل الشتاء في قريتنا لا تكثر فيه الملابس السوداء، ولا تنزل قطع الثلج كثيرًا لتذوب على الأرض، كما أن صنابير المياه لا تتجمد عادة، تنخفض درجات الحرارة إلا أن نسيم البحر معها أروع وأجمل.

 في الطريق أتوقف عند الأسئلة من الفضوليين الذين يرون الملابس السوداء للشتاء وحده، بل للشتاء الشديد البرودة، سألت نفسي عن الوحي الذي هداني لألبس اللون الأسود الأنيق في الصباح؛  غير أن صورتها السمراء حضرت في الوقت المناسب، قلت مخاطبًا نفسي كأنك جئت تحتفلين بها، على الفور تذكرت ابتسامتها العذبة القادمة من فمها القرنفلي وبروز وجنتيها التي تشبه لون الجبل الذي تسابقنا على ظهره صباح فصل الشتاء.

 لم أبح بأسراري للعابرين، لم أقل إن سمرة قميصي تشبه لون بشرتها أو سحر ابتسامتها، بقيت أمرح في ظل ارتفاع الشمس وانحسار الضباب، تذكرت الضباب ونحن نطارده ونختبئ فيه حتى يعلق بأجسادنا الصغيرة، انتصف النهار لأسأل عن الصغيرة التي تركت سحر سمرتها في ذاكرتي.

 عدت إلى أزقة الطفولة، إلى الحي القديم، نزعت الثوب الأسود القديم، زفرت زفرة طويلة تساوي العمر الطويل الذي انقضى، مرَّ شتاء يعقبه شتاء، تبادلت الفصول الأدوار، لا أعرف أين ذهبت تلك السمراء التي سكنت قلبي منذ الصغر، لأجد قميصًا أنيقًا يذكرني بروعة الشتاء وفتنتها، تمنيت برْدًا وبرَدًا يهطل ليغرق الثوب أو تزول ملامحه حتى لا تعود صورتها.

 خشيتُ على نفسي أن تشتعل مشاعري في فصل الشتاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com