ثقافة و فن

قصة قصيرة: الباب القديم

 عيدروس الدياني

عيناها المرهقتان تطلان من نافذة صغيرة نحو الطريق، تجوبانه من أسفله إلى أعلاه، حان الوعد الجميل الذي تنتظره نهاية الأسبوع، لكن رؤيتها تحجبها سحابة من الضباب الكثيف.

 مرت الأشياء سريعا في حياتها، الطفولة، الدراسة، الزواج، طفلان، طفلان طفلان ، هكذا تكرر القول عندما تحكي عنهما …

 كانت تحذف من طفولتها أيام اليتم التي يفارق أبوها فيها المنزل، وتحذف أيام غيابها من المدرسة، وحين كبرت توقفت عن عد السنوات حين فارقها ولداها.

        لم تستطع حذف ذكرياتها، ولا حنين قلبها، وخفقه المستمر تجاههما

     قبل يوم من زيارة ابنيها لها في غرفتها المعتمة، رأت في منامها تنينا ينفث النار على باب بيتها الخشبي القديم، لم يحترق الباب لكن لونه صار غامقا، وبقيت الزخارف البدائية تزينه كأنها نقش أثري.

        حين أحست بوجودهما، هبطت على درج البيت الضيق، فتحت الباب الخشبي، احتضنتهما معا، ثم احتضنت كل واحد منهما منفردا، أدخلتهما البيت، عادت لاحتضانهما، تشم كل واحد منهما، صدره وكفيه، وقبل أن تتركه تطبع قبلات على يديه.

تخرج حبتي حلقوم من حقيبة عتيقة، مضغها الابن الأكبر فأحسها قوية، فأسكن فمه عن لوكها وحين غفلت أمه أخرجها من فمه فوضعها في جيبه. ثم جال ببصره في سقف الغرفة الذي تتشابك فيه أعمدة السدر الصلبة، مع عيدان النخيل. وفي إحدى الزوايا بيت عنكبوت علق به غبار السنين.

يهبط بصره إلى والدته، يمعن في ملامحها الشاحبة، تجاعيد وجهها وخصلة شعرها البيضاء، وعيناها يحيطهما سواد باهت مليء بالحب. ساوره شعور مؤلم جعله يحرك يده خلسة نحو أخيه، كانت تلك هي إشارة الرحيل.

     لحظاتها الجميلة تمر سريعا، وبعد كل وداع تعيش أمل اللقاء القادم.

   عند الباب وضع ابنها الأصغر قبلة على خدها، فأحست بوخز خفيف، تلمست وجهه، جبينه، عينيه وحين لامست يديها شاربه الكث، ابتسمت بحزن، وأحست بلذعة نار في صدرها، أبعدت يديها، وظلت تقاوم دمعتها حتى سمعت صوت الباب يعلن مغادرتهما.

    

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com