إنها النفس اللوّامة

أميمة عبدالعزيز زاهد
في كل صباح ومساء، وفي كل زمان ومكان، تتجلّى لنا الفتنُ بثوبٍ براقٍ ومظهرٍ خادع، تدّعي أنها طريق السعادة المنشودة.
ويأتي الشيطانُ ليزيّن لنا المعصية، يوسوس ويُسوّل، ويوهمنا بأن السعادة لا تُنال إلا بمخالفة أمر الله، وأن التمرد على الطاعة هو السبيل الوحيد للفرح.
تضعف النفس، ويميل الطبع البشري، فيسهل السقوط في المحرّم، حتى تهوي الروح إلى قاع الغفلة، وتأنس بالتفريط، وتغفل عن حساب الله.
وتأتي لحظة الندم، حيث تقول النفس: ﴿يَا حَسْرَةً عَلَىٰ مَا فَرَّطْتُ فِي جَنبِ اللَّهِ﴾. نعم، كلنا بشر، نُخطئ، والخطأ لا يُعيبنا، إنما العيب أن نستمر فيه.
وهنا تبرز النفس اللوّامة، تُحرك فينا التأنيب وتُوقظ في القلب ضوء العودة… فتبدأ رحلة المجاهدة ضد النفس الأمّارة بالسوء، وترتقي النفس إلى درجة الاطمئنان.
الضمير لا يمنع الإنسان من ارتكاب الذنب، لكنه يوقفه عن التمادي فيه، يُنبهه، يُحذّره، يُربّت عليه كما الإشارة الحمراء في منتصف الطريق…وما دام في القلب واعظ، فالمؤمن بخير. فإذا عصى المؤمن، قالت له نفسه: “أخطأت… تُب”.
وهنا يتجلى أثر النفس اللوّامة التي لا تترك صاحبها يهنأ بالذنب، بل تحثّه على العودة، وتُلهمه الاستغفار، وتفتح له باب التوبة… ومن تاب، تاب الله عليه؛ فهو الغفور الرحيم، التواب الكريم.
فلنتساءل مع أنفسنا: هل نحاسب أنفسنا حقًّا؟، هل سألناها: كيف عشتِ يومك؟ وماذا فعلتِ؟، هل سمعنا ذاك الصوت الذي يأتي من أعماقنا؟، ذلك الصوت الذي يوجعنا فجأة، أو يملؤنا حزنًا دون سبب، أو يجعلنا نغترب عن أقرب الناس؟
إنه صوت النفس اللوّامة… حين تُعاتب وتُذكّر. وقد قال الحسن البصري، رحمه الله: “إن المؤمن، والله، لا نراه إلا يلوم نفسه: ما أردت بكلمتي؟ ما أردت بأكلتي؟ ما أردت بحديث نفسي؟ وأما الفاجر، فيمضي قُدمًا، لا يعاتب نفسه.”
النفس اللوّامة توبّخ عند التقصير، وتُؤنّب عند الميل، حتى تعيد القلب إلى الله، وتُعيد الروح إلى جادة النور، وتدفع الإنسان للاستغفار. وإن زلّت القدم، لا تيأس… بل جاهد وارجع، وكرّر الرجوع، فربّنا وعد فقال: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾.
تذكّر دومًا: من وجد الله، فماذا فقد؟، ومن فقد الله، فماذا وجد؟
فلتكن الدعوات صادقة، والنية مخلصة، والتوجه خالصًا للحي القيوم، ولنعلم: لو لم يُرد الله لنا أن ندعوه، لما ألهمنا الدعاء.
تمرّ السنين كلمح البصر، ولا يبقى في صحيفة العبد إلا العمل الصالح، فلنجعل من كل يوم فرصة… ومن كل خطأ بداية عودة.