تدوينات

الضمير الغائب

 أميمة عبد العزيز زاهد

إننا كتلة متكاملة أساسها الضمير، وبدونه تصاب الفضائل بالعلل، ونعجز عن الارتقاء إلى مرتبة الإنسانية؛ لأننا نكون قد فقدنا جهاز المناعة الداخلي.

الضمير هو الحارس الصامت، والمانع الخفي بيننا وبين الانزلاق، فإذا غاب، تسلل الشيطان إلى العقل، واتخذ من النفس وكرًا آمنًا يدير منه زمام الأمور. يوجّه صاحبه لتنفيذ أفكاره المضلّة، ويسلك به طريق المعصية، ذلك الطريق المعلوم الواضح، الذي يبدأ بتهاون صغير وينتهي بخطايا عظيمة.

في كل لحظة، يبحث عن ضحايا جدد ليزرع فيهم التهاون، ويُهوِّن عليهم الكبائر، حتى يعيثوا في الأرض فسادًا، ويبرروا لأنفسهم أفعالهم، ويُسكتوا ضمائرهم.

وحين يرتكب الإنسان ما يخالف ضميره، يشعر كأن شيئًا داخله قد انكسر. هناك من يبقى أسيرًا لفعلته، لا يغمض له جفن، ولا يهدأ له بال، لأن ضميره لا يتوقف عن تأنيبه، ولا يكفّ عن مناداته للتراجع والإصلاح. وهناك من يستمر كأن شيئًا لم يكن، ويندفع وراء أهوائه وشهواته، حتى يتبلد ضميره، ويعتاد على المحظورات، بل ويبحث عن مخرج شرعي أو نظامي ليرتاح وينام مطمئن البال!

وكم هي كثيرة صور “الضمير الغائب” في حياتنا!

هناك من يشتم ويتطاول باسم الغيرة على الدين، وهناك من يُمعن في الغيبة والنميمة وكأنها عبادة، ومن ينهش مال اليتيم، ويمنع ميراث أخته، ويسمّي الرشوة “إكرامية”، ويتجاوز حقوق غيره دون وخزة ندم.

مَن مات ضميره يعتقد أن له وحده الحق في العيش الكريم؛ زوجته يجب أن تتزين له دائمًا، وأبناؤه ملزمون ببرّه مهما فعل، وصديقه لا بد أن يسانده، ومديره عليه أن يعذره ويحتويه، وكل من حوله عليهم أن يصبروا عليه ويراعوا نفسيته، بينما هو لا يكلّف نفسه عناء المراعاة ذاتها!

ثم إذا تبدلت مشاعر الآخرين تجاهه، استغرب واشتكى، رغم أن الخدعة التي مارسها كانت قاسية، ومشاعره الباردة كانت مؤذية، وتقصيره مزمن ومتكرر.

فلماذا يندهش المستهتر، صاحب الضمير الغائب، من سوء الظن الذي يلاحقه؟!

هي نتيجة منطقية لتصرفاته الملتوية، وسلوكه المخادع، والواجب أن يلوم نفسه، لأنه هو من بدد رصيد الثقة، وهو من دفع الآخرين إلى الحذر منه، بسبب ما اقترفته يداه.

إن إحياء الضمائر الغائبة مسؤولية كبرى.

فلا يمكن أن نُعيّن رقيبًا على كل شخص؛ لأن الرقيب الحقيقي لا بد أن يكون نابعًا من الداخل، من الأعماق.

العقلاء وحدهم، إذا كادوا أن يهوي بهم الطريق، ينهضون بكل ما أوتوا من قوة، ويتمسكون بأي قشة تمنعهم من السقوط في الهاوية، ثم يستعيدون توازنهم، ويتعلمون من الألم، ومن الدروس القاسية التي مرت بهم.

إنها لحظة فارقة في حياة كل إنسان…

لحظة تأمل ومراجعة، لحظة صدق مع الذات، تفتح له باب العودة… ومتى ما استجاب لها، حفظ الله له دنياه وآخرته، وكتب له طريق النجاة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com