من الذاكرة (2) أحمد رامي في جدة ضيفاً على الأمير عبد الله الفيصل
بقلم: طلال حسين قستي
ومازال حبل الذكريات ممدوداً مع أهل الأدب والصحافة والفن، وكان بعضها مع الشاعر الكبير الأستاذ طاهر زمخشري رحمه الله، فمنذ أن تعرفت عليه، امتدت صلتي الوثيقة به أعواماً عديدة حتى سفري إلى الولايات المتحدة للعمل في الملحقية الثقافية للمملكة، وخلال تلك الفترة كانت لي معه ذكريات ومواقف إنسانية وطريفة تستحق الذكر، نستعرضها في مقالات قادمة بإذن الله.
كان “بابا طاهر” صديقا للفيف من الأدباء والفنانين السعوديين والعرب، وكان بيته في حي الشرفية مقصداً للعديد منهم، وفيه تمتد أحاديث الشعر والأدب والسمر، وكنت أحضر بعض هذه اللقاءات واستمتع بما يدور فيها من أحاديث شتى.
في العاشر من ذي الحجة عام 1394هـ هاتفني الأستاذ طاهر زمخشري، وأخبرني أن الشاعر الكبير أحمد رامي وصل جدة بدعوة من صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله الفيصل – رحمه الله – ويود أن أصحبه للقاء الأستاذ رامي في الفندق الذي يقيم فيه، ثم نتوجه بعدها إلى قصر الأمير عبد الله الفيصل في طريق المدينة المنورة.
وجدنا الأستاذ رامي في الانتظار، وبعد التحيات والترحيب، اصطحبته والأستاذ طاهر زمخشري إلى قصر الأمير عبد الله الفيصل، ودلفنا إلى ديوانية أنجاله، فوجدنا عدداً من أصحاب السمو الأمراء يتقدمهم الأمير خالد بن عبد الله الفيصل رحمه الله أكبر أنجال الأمير عبد الله الفيصل، ورحبوا بالأستاذ أحمد رامي ترحيباً حاراً، وقد يتذكر هذا الموقف سمو الأمير تركي بن عبد الله الفيصل سلمه الله.
كانت تلك الأيام في ذروة موسم الحج، وكان سمو الأمير عبد الله الفيصل، في معية الملك فيصل بن عبدالعزيز في المشاعر المقدسة لأداء فريضة الحج، وفيما يبدو أن الأستاذ رامي قدم إلى جدة دون ترتيب مسبق مع مكتب سمو الأمير عبد الله الفيصل.
بعد هذا اللقاء امتدت زيارة الأستاذ رامي إلى جدة لعدة أيام، وكنت مع الأستاذ طاهر زمخشري على تواصل مستمر وزيارات متعددة للشاعر الكبير، وكان مما رتبت له مع الأستاذين طاهر زمخشري وعبد الغني قستي مدير تحرير صحيفة البلاد آنذاك، إقامة أمسية أدبية تجمع الشاعر الكبير مع نخبة من الأدباء السعوديين الموجودين في جدة وقتها، وعلى ما أذكر كانت الأمسية ثاني أيام عيد الأضحى المبارك.
وقد أقمنا الأمسية في منزل الأستاذ عبد الغني قستي بعمائر الراجحي بطريق مكة المكرمة، وقمت بتوجيه الدعوة لمعالي وزير المعارف آنذاك الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ وسمو الأمير خالد بن عبد الله الفيصل والأساتذة ضياء الدين رجب، محمد حسين زيدان، عبد المجيد شبكشي، وإن لم تخني الذاكرة كان معهم الأستاذ يحي باجنيد زميلي في صحيفة البلاد أيامها.
في هذه الأمسية الجميلة التي جمعت نخبة من أقطاب الأدب والثقافة والصحافة في جدة بالشاعر المصري الكبير أحمد رامي، الذي غنت له أم كلثوم قصائد عديدة أشهرها “رباعيات الخيام” التي لحنها الموسيقار الكبير رياض السنباطي، والتي ترجمها الأستاذ رامي عن الفارسية باقتدار.
أقول في تلك الأمسية أذكر أن الأستاذ محمد حسين زيدان طلب من الأستاذ رامي أن يلقي القصيدة بالفارسية، فألقاها باللغة الفارسية التي كتبها عمر الخيام.
كما جرى الحديث عن الأدب والفن في مصر، وعلاقة الشاعر الكبير بكوكب الشرق السيدة أم كلثوم، وكذلك علاقته بالشعراء والأدباء المصريين والعرب، ومنهم سمو الأمير عبد الله الفيصل والأستاذ طاهر زمخشري، وكان إلقاء رامي للقصيدة بالعربية والفارسية مشوقاً، أسعد جميع الحضور، خاصة عندما أنشد هذا الجزء من الرباعيات: “سمعت صوتاً هاتفاً من السحر.. نادى من الغيب غفاة البشر” ، و”القلب قد أضناه عشق الجمال .. والصدر قد ضاق بما لا يقال”.
سقى الله تلك الأيام الجميلة، التي استرجعها حيناً بعد حين، فتنبعث حية بشخوصها وأماكنها، فأتشجع على تدوينها كل فترة بإذن الله.