جماليات الرمزية في السرد

وفاء بن صديق
تعدّ الرمزية من الاتجاهات المهمة في الأدب العربي والعالمي، والتي ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر في فرنسا على يد مجموعة من شعرائها مثل:” شارل بودلير، ستيفان مالارميه، وبول فيرلين” الذين لجأوا إلى التعبير عن عواطفهم وأفكارهم من خلال استخدام الرموز والإيحاءات بعيدًا عن اللغة المباشرة العاجزة برأيهم عن إيصال مكنوناتهم إلى الجمهور.
ولم تقتصر الرمزية على الشعر بل امتدت ظلالها إلى فن السرد حتى أصبحت من الأساليب الفنية الهامة التي يتجاوز بها المبدع المعنى الظاهري في النص.
لذلك تكمن أهمية الرمزية في إضفاء رونقًا خاصًّا على النصوص السردية التي تشتمل أو ترتكز عليها، فهي تعبر عن القضايا الإنسانية المتنوعة، ومعانيها الخفية بطريقة عميقة من خلال الأبعاد المتعددة للمعنى الناتجة عن التأويل المفتوح الذي يُشرك القارئ في العملية الإبداعية؛ لاكتشاف ما خلف العبارات، وما بين السطور عبر التأمل في النص في محاولة؛ لتفسيره، وما يُصاحب ذلك من متعة وتجربة فريدة تضمن تفاعل القارئ مع العمل لفترة طويلة، وترك أثر عميق في عقله ووجدانه؛ مما يعكس قدرة الكاتب على خلق نصوص تتجاوز الثقافة المحلية إلى غيرها من الثقافات الأخرى.
ومن أبرز الأعمال الأدبية التي تعتبر نموذجًا دالًّا على ما سبق رواية “الطاعون” للكاتب الفرنسي ألبير كامو فالرمزية في “الطاعون” جعلت الرواية عملًا خالدًا يتجاوز حدود الزمان والمكان؛ حيث استخدم الكاتب الرمز للتعبير بعمق عن قضايا فلسفية اجتماعية سياسية دون التصريح بها.
إنّ الرواية ليست مجرد قصة حول وباء حصد بانتشاره الأرواح، بل هي دعوة للتفكير في دورنا في مواجهة الشر الذي يعصف بالمجتمعات.
ولقد أكّد العديد من الأدباء والنقاد على أهمية الاتجاه الرمزي في الأدب وفنونه، فقال الأديب الروسي دوستويفسكي “إن الرمزية تفتح نافذة لرؤية أعمق للروح الإنسانية، حيث تُظهر الصراعات الداخلية للشخصيات بطرق غير مباشرة”.
أما الناقد الفرنسي رولان بارت، فقد أشار إلى أن الرمزية تمنح النص الأدبي “تعددية دلالية”، تجعل القارئ شريكًا في صياغة المعنى النهائي للنص.
من جهة أخرى، يرى الشاعر الأمريكي إدغار آلان بو أن استخدام الرموز يمنح القصة قدرة أكبر على التأثير النفسي، حيث تتسلل المعاني إلى القارئ بشكل غير واعٍ بالإضافة إلى ذلك، يرى الأدباء العرب مثل جبران خليل جبران أن الرمزية هي الوسيلة التي تتيح للأدب تجاوز حدود الواقع إلى رحابة الخيال والروحانية، حيث قال: “الرمز أداة توصل الإنسان إلى أبعاد أعمق من ذاته، فتتجاوز الكلمة حدودها إلى آفاق لا متناهية”.
أما نجيب محفوظ، فقد ذكر في إحدى مقابلاته في جريدة الأهرام “أن الرمزية هي وسيلة لفهم المجتمع والتعبير عن قضاياه دون التورط في الصدام المباشر”، كذلك وصف أدونيس الرمزية بأنها “مفتاح للتحرر من القيود التقليدية التي تكبل الإبداع الأدبي”.
إن الرمزية في فن السرد لا تعتبر فقط وسيلة جمالية أو تقنية فنية، بل هي جوهر يستند إليه النص السردي ليصبح أكثر عمقًا وثراءً. إنها اللغة الخفية التي تحمل في طياتها الكثير من المعاني التي تتيح للقارئ رحلة استكشافية لا تنتهي عند حدود الكلمات، بل تمتد إلى أفق أوسع من الفهم والتأويل.