اللّعبةُ

محمد الرياني
شيئان مختلفان، متناقضان، ومتشابهان، كبرنا واختلفْنا واتفقْنا، لم نعد صغارًا تجمعُنا البراءة، ولم نعد نعضُّ بعضَنا إذا تعارَكنا من أجلِ لُعبةٍ أو تصارَعنا كي يطرحَ منا الآخر أرضًا، الليلُ الأسودُ الموغلُ في الظلامِ جمَعَنا بلا موعد، اختلفَ كلُّ شيءٍ وتغير، بقيَ من ذكرياتِ الطفولةِ سوادُ عينيها الذي يشبهُ ظلمةَ الليلِ ولثغةٌ في لسانها ناعمةٌ ازدادتْ جمالًا ونبتتْ كما العمر.
حاولتْ أن تقنعني بأن نعودَ صغارًا ونحن كبار كما كنا، نجري حول المكانِ ولا نخشى أن نتعثرَ بينما بصيصُ النجومِ بعيد، نظرتْ إلى قامتي التي تجاوزتْ قامتَها فتركتُها في الظلامِ وعدوتُ نحوَ دكانٍ صغيرٍ كان يبيعُ لعبةً كنا نشتريها ونحن صغار، لم يبقَ من طفولتنا غيرَ هذه اللعبةِ بقيتْ تقاومُ دورانَ السنين ولم تنقرض مع الأيام، بشَّرتُها أن الليلَ جاء كي نمارسَ اللهو.
عدتُ إليها وبيدي اللعبةُ التي تصيحُ عندما نعبثُ بها ، رأتْ أنها لن تستطيعَ مصارعتي هذه المرة، ولو فتحتْ فمَها لِتعضَّ يدي لخرجَ بعضُ أسنانِها، ظلتْ تتأملُ مليًّا أن عظمي أصبحَ جسرًا وليس ذلك الغصن الغضِّ الذي كانت تُطبقُ عليه بفمها الصغير، ناولتُها اللعبةَ لتلهوَ بها، دمعتْ عيناها وهي تستعيدُ الذكريات، أمسكتُ بيدها لأشاركَها اللهوَ والعبثَ بلعبةِ مرتعِ صبانا.
انتصفَ الليلُ ونحن ساهران، والنجومُ من فوقنا وبيدينا لعبةٌ صغيرة، قالت دعِ الصباحَ ليودعَ الليلَ ثم نسمعَ صوتَ لعبتِنا تغردُ كالعصافيرِ مع انطلاق النهار، ارتدتْ رداءَ السعادةِ وقد سلبتْ من نصفِ الليلِ سوادَه ومن نجومِه بريقه حتى تكون نصفي الآخر الجميل.
قلتُ لها: ما أسعدني ! كبرنا وانضمَّ نصفٌ إلى نصفِه ونجمٌ اقتربَ من نجمِه ونهاران صاخبان، قالت: دعكَ من هذا الغزل، دعنا نحتفظ بلعبتنا الآن، البقالةُ القريبةُ لن تبيعَ مثلها بعد الآن، أنا متأكدةٌ أن البائعَ المُسنَّ قد احتفظَ بها ليهديها لنا، كان يقرأ في عينينا أن نصفيْن سيكبران على حُبِّ لعبةٍ تضمُّهما في رحلةِ العمر.