الفوضى الشعرية

محمد بن مسعود العُمري
في ظل الثورة الرقمية التي تشهدها وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح الشعر اليوم في متناول الجميع.
ومع هذا التوسع الكبير في الوصول إلى منصات النشر، نجد أن الشعر في كثير من الأحيان يُقدم بطريقة تبتعد عن جوهره الفني والروحي.
واقع الشعر على هذه المنصات يشهد انتشارًا واسعًا لمقاطع قد تكون أشبه بالغثاء، تفتقر إلى الأسس الفنية، وتغرق في السطحية، مما يثير تساؤلات كبيرة حول مفهوم الشعر الحقيقي.
غالبًا ما تقع أنظارنا، دون إنذار مسبق، على هذه المقاطع الشعرية، خاصة في وسيلتي “السناب” و”تيك توك”، حيث تملأ الشاشات مقاطع لا تحمل من الشعر إلا الاسم! … يصر البعض على أنهم شعراء، وهم في وادٍ والشعر في وادٍ آخر! … كما قال المتنبي:
“إذا غامَرتَ في شرفٍ مرومِ….فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ”
ما يُطرح في كثير من الأشعار على هذه المنصات يفتقر إلى السمو الفني في الطرح، ويغرق في السطحية التي تهبط بالمحتوى إلى مستوى لا يليق بالشعر وأهله، حيث تكاد تخلو هذه المقاطع من أي ذائقة فنية أو أسس شعرية حقيقية.
هذه الأشعار غالبًا ما تفتقر إلى الصور الشعرية العميقة، وتعتمد على تكرار ممل وأوزان مختلة، مما يجعلها بعيدة عن روح الشعر الحقيقي. كما أنها تفتقر إلى التنوع في الأساليب والموضوعات، ما يجعلها سطحية وغير مؤثرة، في ظل غياب العمق الذي يميز الشعر الأصيل.
فإن كان هناك من وصف دقيق لهذه الظاهرة، فهو “الفوضى الشعرية العارمة”. ومن باب الإنصاف، لا يمكننا التعميم؛ فهناك بالفعل شعراء جيدون يساهمون في إثراء هذه الساحات بأشعار تحمل قيمة فنية وفكرية.
وعندما نعود إلى ينابيع الشعر الأصيلة التي أبدعها كبار شعراء العرضة الجنوبية (الشقر) والشعر النبطي، نجد أن هؤلاء الشعراء كان شعرهم بمثابة رسائل قوية تحمل الحكمة، والحث على الإصلاح، بل إن بعض القصائد ساهمت في فض الخلافات، ووصفت الأماكن ووثقت تاريخها وثقافتها.
أولئك كانوا ولا زالوا نماذج حقيقية للشعر الذي يحمل قيمة، ويعكس هوية مجتمعه وثقافته.
ختامًا، الشعر أفق واسع وأوعية متعددة، ولا يمكن حصره في قالب واحد أو منظور ضيق. لكن لا بد أن يتحلى الجمهور بالوعي والذائقة عند الحكم على الشعراء ومحتوياتهم!
فلا ينبغي أن يدفعنا الارتباط العاطفي إلى تشجيع الغثاء، بل يجب دعم المحتوى الشعري الذي يحمل قيمة أدبية ورؤية فنية. كما ندعو النقاد والمختصين إلى تسليط الضوء على الشعر الجيد، والتنبيه إلى أهمية التمييز بين الشعر الحقيقي والزائف.
إلى اللقاء… مع مقالة أخرى سنورد فيها نماذج من الأشعار لكبار الشعراء الشعبيين.