محمد مدخلي: من العادات الرمضانية بجيزان سرد الحكايا الأسطورية، وكل الأجناس الأدبية تواجه تحديات

حوار – مريم الحسن:
القاص (محمد علي مدخلي) ضيف حوارنا الرمضاني الليلة، وهو الحوار الذي نقترب فيه من حياة وفكر ضيوفنا عبر أكثر من نافذة، نقلب فيها أوراقهم، وننصت لتجاربهم، ونجعل من أيام وليالي الشهر الفضيل مرتكزًا لبعث الذكريات، المتصلة بفن القصة القصيرة …..
هذا الحوار تم بالتشارك مع “ملتقى القصة القصيرة الإلكتروني”.
ماهي قصتك مع الأساطير، والقصص الشعبية الرمضانية في منطقتك، وكيف كتبت عنها؟
يقول الأديب د. أحمد عاكف «ليس ألذ في أحاديث الناس من قصة، وليس أمتع فيما يقرأ الناس من قصة، والعقول قد تخمد من تعب، ويكاد يغلبها النعاس، حتى إذا قلت قصة ذهب النوم، واستيقظت العقول، وأرهفت الآذان .. «الإنسان منذ أن وجد على ظهر الكون، إذ كان مفتتح الكون من خلال القصة، قصة سيدنا آدم مع حواء، وقصة هابيل وقابيل، وقصة الهبوط إلى الأرض وتكوين البشرية.. منوهًا أن القصة مرت بمراحل عديدة عبر الأزمنة والأمكنة. إذ يعود ذلك لطبيعة المجتمعات في كل مرحلة، بداية من تلبس الأسطورة والخرافة، وتطورت بعد ذلك إلى قصص دينية ووعظية وإرشادية وتعليمية، وحين اندلعت الثورات في القرون الماضية ضد سلطة رجال الدين تغير مفهوم القص شكلا ومضمونا، وأصبح أكثر اقترابا من هموم الناس وواقعهم. ومازالت القصة تسير في ركب الناس، تبحث واقعهم وترسم خطوات معيشتهم، لذا القصة تمثل موقفا من الحياة والواقع، كما يستمد الكاتب بناء قصته من أحداث الواقع، أو واقع الحياة التي يمثلها الحدث.
ولكل منطقة من مناطق المملكة تقاليدها وعاداتها الاجتماعية في شهر رمضان المبارك التي يحرص الأهالي على إحيائها وتوارثها جيلاً بعد جيل.
ومن تلك العادات التي يمارسها كبار السن في جيزان سرد حكايا أسطورية.
فالأسطورةُ لم تكن محضَ حكايات عابرة ظلّ الأجداد يتوارثونها حكايةً بعد أخرى، وهلعاً بعد آخر؛ وإنما انفردت بالتأثير في الوعي الجمعيّ، من خلال حكاياتٍ أصولها تعود إلى أساطير قديمة. وقد كانت هذه الأساطير تعبيراً عن قلق الإنسان، قلقه تجاه وجوده، ومجريات حياته، وهروباً من حالة التفكير الموغل في الظواهر الطبيعية التي قد تجرفه إلى الشعور باليأس، وعدم بلوغ الفهم المطلوب، فتكون الحاجة إلى الأسطورة بمثابة الحل الأسهلِ للحصول على تفسيراتٍ مطمئنة.
ومن الحكايات الأسطورية الشعبية في المنطقة قصة
“قرية مغضوب عليها”. يوم هادئ في تلك القرية الوادعة ..انتهى فيه سكانها قليلي التعداد من مهامهم اليومية الروتينية من زراعة وحصاد وطلب علم ..
اشتهرت منتجات تلك القرية بين باقي القرى في السوق الشعبي القريب منها بجودتها وضخامتها وحتى حيواناتها بلحمها الوفير ولبنها الغزير، وأيضا بنبوغ وطلاقة أبنائها وجمال بناتها وانعزالهم عمن حولهم ..
صارت مضرب المثل بين القرى حولها ومثارا للحسد من بقية الشيوخ والأعيان والجيران .. في منتصف ذلك اليوم سمع سكان القرية صوتا غريبا وهزة أشبه بالزلزال فانتابهم الخوف فأسرعوا الخطى عائدين إلى بيوتهم ..
مرت أشهر على تلك الحادثة ..
لاحظ كبير القرية أن منتجات الزراعة تزداد ضخامة وجودة، وظواهر غريبة تنتشر بين أفراد قريته فالبشرة تزداد نقاء والذهن يزداد حدة، وحيث لا يوجد غرباء تقريبا فهم نفس العائلات التي استقرت منذ القديم في تلك الأرض ولم يرضوا بها بديلا ولا يصاهرون من خارج محيطهم، وكان ذلك مثار تساؤلات وسخط العديد ممن حولهم ..
قال له جده يوما أن أرضهم مباركة ولا يسكنها سوى من تختاره هي .. لم يفهم يوما سر ذلك الحديث ..
عرّج على كبار العائلات ودعاهم لجلسة بعد صلاة العشاء في مسجدهم البسيط في منتصف القرية والذي كان مكانا للاجتماع ولتهذيب وتعليم الصبيان والفتيات .. بلغهم مخاوفه وذكرهم بشيء لاحظوه جميعا لكن لم يجرؤ أحدهم على التذكير به وهو أن كبار القرية غالبا ما يتوفون في سن واحدة وفي سنة واحدة وخلفائهم في عائلاتهم يتم ترشيحهم على هذا المنوال ولم يخطر على بال أحد التنبه لذلك الأمر العجيب ..
كان ذلك العام هو الأول لهم كمسؤولين عن قريتهم ولم تخرج نصائح أسلافهم عن العناية بالأرض المباركة وهي بفضل من الله ستعطينا ما نحتاج إليه من فهم ورزق ..
التفت كل منهم إلى جليسه بجانبه والتقت أعينهم حيرى لكنهم بحكم تربيتهم قرروا الامتثال والصبر حتى يعرفوا الحقيقة عن أرضهم ..
داهمتهم هزة خفيفة بعدها بفترة، ورؤى في المنام تخبرهم بسرعة إخلاء الأرض والتوجه للجبال لأن أصحابها قادمون إليها فقد انتهت الهدنة، اجتمعوا وحللوا وصارحوا بعضهم لكن الأغلبية صوتت على البقاء فهم لا يعرفون أرضا غيرها، وحتى من يخرج منهم للسوق والحج وطلب العلم لا يلبث أن يعود متغضنا متعبا ويتحسن تدريجيا بعد تعوده على هواء القرية وطعامها ومياه آبارها ..
استيقظوا في فجر اليوم التالي على هزة شديدة خرجت معها معادن متوهجة غريبة والأرض تبتلع المواشي والبيوت، فحاولوا الهروب ولكن لم تمهلهم الأرض فابتلعتهم معها ..
انتشر خبرهم بين القرى وتعجبوا أن ذلك لم يحدث لأحد سواهم ..
انتشرت الشائعات حسدا وتشفيا بينهم فقيل غضب الله عليهم لأنهم وثنيون ويعبدون الشياطين، وبين قائل بأنهم كانوا يسيرون على أحذية من خبز، وحاول الكثير أن يدخلها ليعرف سر الخسف ولكن شعورا مرعبا كان يسيطر عليهم كلما اقتربوا فأرجعوا ذلك لما عرفوه في الأثر عن تجنب أماكن السخط الإلهي ..
ومرت العديد والعديد من السنين ولا تزال أطلالها البسيطة المتناثرة والمحاطة بسياج لا تدري هل يحمي الناس منها أم يحميها من الناس، تغري النفوس بكنوزها المدفونة وتستثير العقول بألغازها وتحذر الأفئدة من يقترب منها …
رمضان محفز للكتابة، هل من (ق ق ج) لك عن أجواء الصيام؟
رُخصة
استيقظتُ ظهرا. الجو حار والعطش شديد، ما يؤلمني أني صائم دون سحور.
أقلب رسائل الهاتف في محاولة تمضية وقتي البطيء.
غمرتني فكرة فتح الثلاجة؛ في طريقي إلى المطبخ اصطدمت بأمي ترفع بقايا طعام الغداء.
فهمت منها أن اليوم تتمة شهر شعبان.
محمد علي مدخلي
ثمة مواقف “غير متوقعة” صادفت مسيرة صيامك، فيها عبرة أو طرفة، هل تشاركنا إياها؟
لا يستحضرني الآن.
ماهي تجربتك مع قصص الفانتازيا كتابة؟
نص قديم
“زَبَدْ”
ارتدى ملابسه في العتمة، أضاء شمعة بالقرب من رقعة الشطرنج.
حاور ظلّه: إن لم تقتلني سأقتلك..!
لمعت بباله فكرة، ابتسم، بلع ريقه، حرّك بيدقه الأسود ميمنة الملك الأبيض.
سَبقه ظله إلى الزِناد…!
..
محمد علي مدخلي
في عالمك الشخصي، كيف تمضي تعاملاتك مع الأسرة والوقت وأصناف الطعام في رمضان؟
بطبعي بيتوتي في رمضان.
نقرأ القرآن الكريم، نتدارس تفسير بعض الآيات القرآنية المستعصية فهمها.
أحيانا أعمل معهم مسابقة ثقافية حروف.
تواجه القصة القصيرة تحديات وجودية، كيف ترى هذا التحدي، وما واجب كتابها لتعزيز مكانتها؟
من أبرز التحديات التي تساعد على نشاط الحركة القصصية، الصحافة، الإعلام المرئي والمسموع، الترجمة، نشاط المؤسسات الثقافية والأدبية، اهتمام كتاب القصة بالدراسات النقدية للقصة القصيرة، نقد القصة القصيرة.
هذه التحديات وسواها، تضع مستقبل القصة القصيرة على المحكّ، وإن رأى بعض المتفائلين أن المشهد لا يبدو سوداوياً إلى الحدّ الذي يجعلنا نعدّ العدّة لتأبين هذا الجنس الأدبي، أو نخشى عليه الاندثارَ.
فالقصة القصيرة، مثلها مثل بقية الأجناس الأدبية، تواجه تحدّيات مختلفة، وعلى أكثر من صعيد، بعضها مرتبط بالأدب نفسه، وبعضها الآخر مرتبط بعوامل خارجة عن إرادتها.