google-site-verification: google5690d0d4babd69ee.html
صحيفة,أخبار,جريدة,صحف,جرائد,أخبار اليوم,أخبار عاجلة,آخر الأخبار,صحيفة إلكترونية,صحيفة رقمية,منصة أخبار,بوابة إخبارية
مقالات

إيزيس

نايف،مهدي௸

قصة قصيرة

لم يكن له من علاج لكآبة واقعه المزمن سوى أن يعيد احتساء صوتها القديم المحفوظ في محادثة قديمة بينهما في أحد برامج الهاتف، والسياحة الشفائية في تأمل ملامح وجهها التي من فرط كمالها يظن الرائي لها أنها منسوخة بأمانة وحرص من وجه إيزيس الذي بجّلته الأساطير ووقفت في محرابه قصائدُ الغزل والعظمة وهي موشحة بالمجاز الحي. إنه، منذ سنوات، أصبح آلة خيال محضة لذلك ظل يُجري بعض الافتراضات الهذيانية التي يوسع بها فترات صفائه الطارئ: ماذا لو عادت رسائلها فجأة تملأ هاتفه الذي لا يرن برشقات من الإشعارات المحملة بالأزهار والقلوب؟! ماذا لو عاد عطرها الفواح يبلل أنفاسه اللاهثة بينما وجهه المشعت مستقر على نحرها الدافئ كالقلادة الباردة؟!

كان على الرغم من أنه كائن مُفلس من أبسط عملات الأمل والبشائر، فإنه ظل يعول على أن الحب فكرةٌ خالدة لا تموت شأنها شأن الظل والشمس والنجوم والليل، لا سيما وهو الشاعر الألمعي الذي جرت القصائد في قريحته جريان الرياح في مناكب الأرض، فلذلك كان خياله المتوقد حاضرًا يؤثث معه المشاهد الناقصة بعاطفة جارفة، ويملأها بحميمية فائقة تعطرها القبلات والأحضان التي سوف تمتد منذ عشرين عامًا حتى هذه اللحظة التي يجرجر فيها كيانه الضئيل ورأسه منسكبٌ على صدره في جفاف حارق.

وحين بلغ الموضع المعتاد الذي يكون فيه دائمًا هدفًا متحركًا للسخرية والرجم، انطلقت الرشقة الأولى من خنادق الصبية المعفرين بالأتربة والضغينة الموروثة وانفجرت بين كتفيه، ثم مؤخر رأسه وحوضه وإليتيه حتى اكتسى ثوبه بالأحمر الدبق جراء عصارات الطماطم المتعفنة التي تنفجر في جسده من كل مكان كالقنابل، ولكنه لم يحتد ولم يتوقف ولم يلتفت رغم الوجع الذي ينخر ظهره؛ لأنه كان يرى بوضوح امرأةَ خياله تقف أمامه وتحثه على الإسراع ليرتمي في حضنها المفتوح ويضع حدًا لهذا الشقاء الناقم، وحين شرع يديه بلهفة وارتعاش ليغرس فتاته المستحيلة في أعماق قلبه الضامر الذي وقف متأهبًا على حواف صدره، تلقى ضربة عصًا موجعة في مفصل كفه حتى طار الهاتف من يده بعيدًا وارتطم مِرارًا بعنف بالصخور الحادة، ولكن لحسن الحظ لم يتحطم الهاتف بل ولم يتعرض لأي ضرر يُذكر؛ لأنه كان دمية هاتفٍ مصنوع من البلاستيك الخالص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com