صحيفة,أخبار,جريدة,صحف,جرائد,أخبار اليوم,أخبار عاجلة,آخر الأخبار,صحيفة إلكترونية,صحيفة رقمية,منصة أخبار,بوابة إخبارية
مقالات

التعليم الخاص والتلميذ العربي

مجيدة محمدي

لا ينكر أحد أن مسألة التعليم تتربع على رأس الأولويات، بوصفها المحرك الأول للنهضة والمقياس الحقيقي لمكانة الشعوب بين الأمم. لكن التعليم في منطقتنا، لا سيما التعليم الخاص، لم يعد ذلك الكيان البريء الباحث عن التميز فحسب، بل صار ميدانًا لجدل حارق، تتقاطع فيه خيوط الهوية، والمصالح، والاستراتيجيات الثقافية العميقة، في مفارقة مزمنة بين السعي للحداثة والتشبث بالجذور.

فهل التعليم الخاص في بعض الدول العربية هو تعبير عن تميز حقيقي ورغبة في الارتقاء؟ أم هو، في جوهره، صورة جديدة من صور التبعية للمنظومات الغربية، التي تتنصل تدريجيًا من المبادئ الثقافية المحلية؟

لا يمكن أن ننكر بأن التعليم الخاص في الدول العربية قد قدم في بعض مراحله قيمة مضافة للنسيج التعليمي العام. فقد جاء استجابة لحاجة المجتمع إلى مؤسسات تعليمية قادرة على تجاوز البيروقراطية الرسمية، وتقديم بيئة أكثر ديناميكية، ونماذج تعليمية بديلة، تعتمد طرقًا مبتكرة وأدوات حديثة.

لقد تبنّى التعليم الخاص تقنيات التعليم الرقمي، والتعلم التفاعلي، والتفكير النقدي، بل واستقطب كوادر تعليمية ذات كفاءة عالية، سواء محلية أو أجنبية. وتفوّقت بعض هذه المدارس في الأداء الأكاديمي، وتسجيل أبنائها في أرقى الجامعات العالمية.

لكن، هل يكفي التميز الأكاديمي لتبرير غربة الروح التي أصبحت تتسلل إلى بعض هذه المنظومات؟ هل النجاح في الامتحانات العالمية يعوّض الفقد الثقافي، والتغريب الهوياتي، الذي بات يهدد الأجيال القادمة؟

وراء هذا التميز الظاهري، تكمن إشكالية معقدة: التعليم الخاص العربي، في بعض حالاته، ليس إنتاجًا محليًا مستقلًا، بل هو امتدادا لمنظومات تعليمية غربية، تُنقَل بنيويًا ومنهجيًا دون غربلة ثقافية.

ويظهر هذا خاصة في المدارس والجامعات التي تُدرِّس بالكامل باللغة الإنجليزية أو الفرنسية، والتي تُقصي اللغة العربية إلى هامش خجول من المنهج، ليست استثناء، بل قاعدة تتسع. كما أن القيم التي تُدرّس ضمن “المواطنة العالمية”، و”الحرية الفردية”، و”النجاح الشخصي” – رغم مشروعيتها – غالبًا ما تُقدّم بمعزل عن النسق الثقافي العربي، بل أحيانًا في تصادمٍ معه.

هل يمكن أن نُغفل أن التلميذ العربي، في كثير من هذه المؤسسات، يُلقّن تاريخ أوروبا أكثر مما يتعرّف على تاريخ وطنه؟ وأنه يُعرّف على أدب شكسبير أكثر مما يُطالع لأبي العلاء المعري أو الطنطاوي أو درويش؟

هكذا، تتحول المدرسة من فضاء للمعرفة إلى بوابة لعبور هادئ نحو التغرب، في غفلة من الأهل، وتحت مسمى “العالمية”.

في هذا المفترق، يُطرح سؤال جوهري: هل نحن أمام تنصل مقصود من المبادئ الثقافية المحلية؟ أم أننا نعيش تحوّلًا طبيعيًا في عصر العولمة، حيث تختلط الهويات، ويُعاد تشكيل الانتماءات؟

المدافعون عن التعليم الخاص يقولون: “إن العالم قرية صغيرة، ولا بد من إعداد أبنائنا لمنافسة عالمية شرسة، تتطلب لغة عالمية ومناهج متقدمة”. لكن المتشككين يردون: “ما الفائدة من الفوز بالعالم إن خسرنا أنفسنا؟”

ليس الحديث هنا عن رفض للتطوير أو الانغلاق، بل عن ضرورة الانطلاق من الذات في مواجهة الآخر. فالتعليم الذي يُقصي الموروث، ويضعه في خانة التخلف، لا يُنتج إلا إنسانًا مهزوز الهوية، يرى حضارته عبئًا، وثقافته قيدًا، فيصبح تابعًا حتى وإن تفوّق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com