لَحظَة
محمد الرياني
….. واقتربتْ مني حتى كادت تضمُّني وأنا في حيرةٍ من أمرها، نظرتُ إلى أعلى، شعرتُ أن الأضواءَ التي نبتتْ في السقفِ قد وضعوها لأجلِ هذه اللحظةِ وليستْ من أجلِ الماضي.
كلُّ الذين حضروا مساءً جاءوا يصفقون لشيءٍ آخر إلا أنا فقد عصفَ بي الحدث، رأيتُ التصفيقَ لي ولها والفرحةُ الكبرى لم تكن لغيرنا، كانت بالقربِ منا سيدةٌ أنيقةٌ ظلتْ تنظر في وجهي ووجهها وتبتسم، تسألني أسئلةً لم أستوعبها بينما تنظر نحوي في حيرةٍ وقد غبتُ عن الوعي في ثوانٍ.
رأيتُ فيها أن الليلةَ هي ليلتي وأن كلَّ شيءٍ في القاعةِ صمموه لأجلي، انتبهتُ من حالةِ الإغماء، سألتُها وقد بدأ الجمعُ في التفرُّق عن سرِّ الجمالِ في هذا المساء، وعن هذا الاحتفاء الغريبِ العجيب، وضعتْ حقيبتَها على كتفِها وخرجتْ، لم أستوعب الذي حدَث.
جلستُ على مقعدٍ منزوٍ في القاعةِ بدا بائسًا مثلي قبل لقائها، عادتْ نحوي تجرُّ مقعدًا يشبهُ مقعدي، لم يبقَ في المكانِ مَن يدقُّ دفوفَ الفرح، كلُّ الذين حضروا لم يعرفوا أننا التقينا صدفةً وأن لي عينين لم تذرفا قطراتِ الفرحِ من قبل، لم يسبقْ أن أبدتْ شعورها كما فعلتْ هذا المساء، أشارتْ إلى السيدةِ الأنيقةِ التي كانت بجواري وهي تختبئ في إحدى الزوايا كي تقترب، جاءتْ لتسألني معها عن لونِ الغرفةِ البيضاءِ التي نحن فيها وعن بياضِ النُّورِ المُشعِّ من فوقنا وعن الأوراقِ المتناثرةِ وليس لها علاقةٌ بالفرح.
أجبتُها بأن الثواني التي غبتُ فيها جعلتْ كلَّ ألوانِ الجمالِ تغطي المكان، ابتسمتْ ابتسامةً عريضةً أخرى وقالت يا مجنون: ماذا لو غبتَ عن الوعي مزيدًا من الوقتِ بدلًا عن الثواني؟
نهضتُ من مكاني وتركتُهما يُخططان لمساءٍ آخر كي يجمعَنا ونعيشَ بقيةَ الأيام.