من شرفتي

يوسف أبو عواد
كنت أراه في الماضي هيناً ليناً، سهلاً بسيطاً، بساطة أهله، وطيبتهم، ونقاء معشرهم وطيب نفوسهم، كان الصيام ممتعا وسهلا صيفا وشتاء، رغم غياب وسائل التبريد الحديثة إن حل في صيف، أو وسائل تدفئة إن حل في شتاء.
ما أعاق حره ولا قره عملا، لا حره ولا برده أفلح في حقن مُجدٍ بحقنة التراخي والكسل.
كان نهارُ رمضان يومَ عمل بامتياز، كما باقي أشهر السنة، ولم تكن موائده مفتونة تباهي بطولها ولا عرضها، أو حتى محتواها، بل كانت موسومة بالبساطة، تعتد باللمة، وفرحة الأطفال بسماع الأذان، كانت معظم مؤونته، متوفرة في البيت، وكافة وجباته تعدها ربات البيوت في البيت.
كانت وجبات صحية، على رأي مريم نور، وجبات بسيطة لكنها كانت مفيدة، وكانت بمختلف مكوناتها خالية من المواد الحافظة، كانت وجباتنا بحق غذاء عضوياً Organic Food، كان الجيران يرسلون مما يطهون لجيرانهم، ويتقبلون ما يصلهم منهم، دون أدنى حرج أو حساسية.
كان الناس آنذاك لم يزل فيهم طبعا من طباع البادية، وسلومها. وبالتدريج، بدأت تتغير ملامح الصورة، وأحدثت نظرية التغيير، ندوباً في الوجه الجميل لسيد الشهور وأبركها، وباعدت بينه وبين سمة البساطة التي وسم بها، وتمددت موائده في الجهات الأربع، وتعددت أطباقها، وتباينت مصادرها، واختلفت ألوانها.
بعضها جاذبة أشكالها كأغلفة بعض الكتب، لكنه خاوٍ محتواها، لا يسمن ولا يسد رمق، لا بل قد تكون مدخلاته ضارة بالصحة، لا أدري كأن عيوننا أصبحت فارغة، يستهويها الكم، وتظن أنها بدون هذا التزاحم في المحمر والمقمر والثريد والمصفى والمحلى والمحشي والعصير والنمير، لن يحصل لها الشبع والتخمة، إلا الأوركسترا.
وبهذا الكرنفال على موائد الافطار، ولم يعد طعامنا عضويا، بل يصح في بعضه القول إنه طعام غير صحي، كأن هذا الشهر، أصبح شهر البطون والبطنة، التي أفسدت على أصحاب الحمية حميتهم، وعلى أصحاب الريجيم رجيمهم، فزادت الأوزان، وأصبحنا نفقد السيطرة على معدلات السكر وعلى ضغط الدم، بل أصبح من الطبيعي الشعور بحرقة المعدة، وارتجاع المريء، وعسر الهضم، بسبب الإفراط في تناول الطعام، بعد ساعات طويلة من الصيام. لدرجة أن من ليس لديهم مشاكل صحية، قبل شهر رمضان،
تصبح لديهم مشاكل، والسبب هو الإكثار من تناول طعام، وكثرة شرب العصائر المحلاة، والحلويات، والمقبلات المالحة، وطبيعي أن تحدث هذه التخمة مشاكل، حتى بانتهاء شهر رمضان قد تستمر، علما أن الأساس هو صوموا تصحوا.
لكن ما زاد عن حده انقلب إلى ضده، وليتنا في مبالغاتنا في اعتماد الكم والكيف في موائدنا الرمضانية، نوائم بينها وبين كمية ما نلتهم، بل رغم كثرة ما يؤكل، يظل للحاويات نصيب كبير، فهل نحتاج قبل شهر الصيام أن نعمل تكميمًا للمعدة؟ أم نظارة لعيوننا وتكميمًا ليمنانا؟
إن كل ما نحتاجه، هو أن ندرك أن البطنة ليست من الفطنة، وأن شهر رمضان شهر للصيام والقيام والتكافل، والشعور بمعاناة المعوزين والمحرومين.