آراء و تدوينات

الرّحلة السويسرية

حياة الرايس (*)

يومياتي في مدينة ” فرايبورغ” بسويسرا

أغلقت باب الغرفة 224 ورائي ونزلت الطابقين الأسفلين. قطعت بهو الاستقبال حتى صرت خارج الفندق. وقفت بالباب الرئيسي على عتبة الشارع أفكر: من أين اتجه؟ كان النزل يقع في الوسط بين المدينة العتيقة يمينا، وتسمى البلدة السفلية والمدينة العصرية شمالا، وتسمى المدينة العليا.

ما زلت واقفة مترددة من أي اتجاه أسير؟ نظرت جهة المدينة العتيقة كانت تقع على منحدر ظليل تلوح منها كاتدرائية عالية، داكنة. وسط بنايات متراصة رمادية اللون، هادئة شبه خالية اعطتني بعض كآبة…

اخترت جهة الشمس، جهة اليسار. فكانت صعدة مشمسة مشرقة مما يدل أننا نقع على هضبة. قابلتني الساحة العامة بوسط البلد مبهجة تشع بالحياة بين المقاهي والمطاعم، التي تفرش جاداتها وتزحف على نصف الشارع، بينما النصف الآخر للمشاة. (هنا السيارات تقف للمارة عند الخطوط البيضاء في الشوارع المحيطة بالساحة في كل وقت وخارج الإشارات. الأولوية للمشاة)

الجو هادئ ربيعي ناعم والناس مسالمين كعادة الأوروبيين لا أحد يلتفت لأحد ولكنهم أقل ابتساما من الفرنسيين. الأجساد محتفية بذاتها تزين أغلبها الأوشام المتنوعة المحمّلة بالرموز والرسائل كموضة عامة. في ملابس خفيفة انيقة.

لم اشعر بغربة اللغة. مما أعطاني أريحية كبيرة. فسويسرا لها أربع لغات رسمية: الألمانية والفرنسية والإيطالية والرومنش (اللغة الاصلية التي لا يتكلمها أحد) أمّا الإنجليزية فيتكلمها كل الشباب. ولكل مدينة الحق في اختيار اللغة التي تناسبها حسب موقعها وقربها الجغرافي من حدود الجوار في نظام التعليم الفيدرالي.

وفريبورغ التي تقع في الوسط تتكلم اللغتين: الألمانية والفرنسية.

المدينة العتيقة: هنا كل شيء يخرج من التاريخ ويعود إليه. بدءًا بإقامتنا بفندق الوردة هذا الاسم الرومانسي الجميل العتيق المحافظ على طرازه المعماري القوطي. يقع في قلب ساحة NOTRE DAME” مقابل كنيسةSt. Nicola  الشهيرة. على مشارف منحدر المدينة السفلية. التي يعود تاريخها الى العصور الوسطى حيث اختار سكان فرايبورغ الأوائل أن يقيموا وسط الأنهار وغابات جبال الألب العالية. بين الخضرة والماء.

 اعتنى الأهالي بهذه الجنة الصغيرة. وبنوا الجسور التي اشتهرت بكثرتها وعظمتها في أوروبا كلها والباقية إلى الآن قوية مترابطة متماسكة في شبه معجزة، شاهدة على قدرة الإنسان وعظمة الطبيعة. فريبورغ هبة نهر La Sarine الكبير والشهير الذي وهبها كل هذا النعيم بلد الخير والجمال والسلام. توجد بها الكنائس والأديرة والجسور والنافورات، وهي تمثل الثقافة الشعبية أيضا. فقلب المدن حاراتها القديمة.

تتربع كاتدرائية القديس Saint Nicola على عرش الشمال الشرقي للبلدة العتيقة. شامخة، عالية لا تهزّها السنون ولا القرون ولا الحروب. منذ شيّدت في العصور الوسطى حوالي القرن الثاني عشر ميلادي (1120). تعد الأعلى والأجمل من كل الأبراج المسيحية بشهادة بعض المؤرخين، بطرازها القوطي المشع، العتيق. بنيت على نتوء صخري متين. تطل من علو 116 مترًا على نهر La Sirane الشهير وسط غابات جبال الألب الخضراء الكثيفة والداكنة.

البرج مربع تقريبًا في قاعدته ويتوزع في القسم الوسطي إلى اثني عشر جانبًا، وفوق هذا القسم يصبح البرج مثمنًا وشكلًا مغزليًا، وفوق ذلك يمتد إلى مستدقة شبيهة بالسهم، وذلك ما يميزها عن بقية الكاتدرائيات.

مكرّسة للقديس Saint Nicola  تبسط سلطانها على كل الأراضي السويسرية بمباركته. وهي مقر أبرشية لوزان وجنيف وفريبورغ منذ عام 1924

يعد برجها أجمل من كل الهندسة المعمارية للأبراج الكاثوليكية.

…………..

(*) كاتبة تونسية تعيش بين تونس و سويسرا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com