آراء و تدوينات

قراءة في مجموعة (ثمالة الغوص)

(ثمالة الغوص) مجموعة قصصية تتناول طعن البحارة بأمواج الغدر للبحر في ظهره، وثيمة الغوص في الأحساء

كتب: هاني الحجي

صدر للقاص صلاح بن هندي مجموعة (ثمالة الغوص) عن مركز نضد للنشر والتوزيع جاءت المجموعة في 67 صفحة تناولت حياة الغوص.

ندخل من عتبة العنوان (ثمالة الغوص) تعريف الثمالة هي (البقية في أسفل الإناء من شراب ونحوه شرب الكأس حتى الثمالة)، وتعرف أنها (احتمال ما هو شاق ومر حتى النهابة) وأيضًا (سكر وغاب عن وعيه) فالبحارة شربوا من ثمالة الغوص ومشقته وجهده ومره حتى سكروا وغابوا فيه.

الغلاف يحمل بكامله صورة بحر وفي وسطه سفينة تبحر وكأن الكاتب يوحي للمتلقي أنه سيأخذه من خلال المركب إلى رحلة في حياة البحارة، وما يدور في المركب والغوص ويقدم وجبة بحرية من المعلومات عن حكاية الغواص وذكريات البحارة.

المجموعة بدون إهداء واكتفى الكاتب بمقدمة كمقطوعة نثرية تحكي عن تناقضات البحر

” البحر وما أدراك مالبحر؟ مخلوق عظيم جمع بين المتناقضات الهدوء والصخب، الرحمة والقسوة، الغنى والفقر، البسمة والدمعة، النجاة والهلاك”

لكنه استشهد أيضًا عن البحر بلوحة (الطوف) للفنان التشكيلي (الجريكو) حين غرقت السفينة (ميدوزا) ولوحة (فينوس تخرج من البحر) للفنان بوتشيللي

وأرى أنه لا داعي للاستعارة من اللوحات الغربية خصوصًا أنه يكتب عن موروث اجتماعي عن الغوص، وسيجد لوحات فنية خليجية كثيرة في هذا الجانب تغنيه عن الاستشهاد بلوحات غربية حتى لا تكون حالة هجينية تلوث الصورة الذهنية للمتلقي!

بلن

برأيي لو كانت عتبات النص استشهاد بشعر وصورة من فيديو كليب لأغنية (غدار يابحر) جواد الشيخ ومحروس الهاجري وعبد الرحمن الحمد)

و يسترسل الكاتب مقدمًا صورا إبداعية عن البحارة في الخليج

“وما أشجع بحارة الخليج حين دخلوا البحر على متون خشبهم التي صنعها (قلاليفهم) عرايا إلا من (وزرة) بالية، تستر عوراتهم وأجسامهم السمراء، التي لوحتها أشعة الشمس…..)

ويختم مقدمته بمقارنة بين قسوة البحر وظلم الإنسان فالبحارة انتصروا على أهوال البحر إلا أن ظلم الانسان كان أقوى من غدر أمواجه

(لكننا سوف نرى البحارة في الخليج، كيف انتصروا على البحر وأهواله، ولكنهم انهزموا وضعفوا حين واجهوا ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، فكان البحر أهون وأحن عليهم من بعضهم البعض”

المجموعة تناولت ثيمة رئيسة للبحارة، وهي جديدة نسبيًا في تناولها للغوص طالما قرأنا عن غدر البحر بالبحارة، ولكن القصص تناولت غدر البحارة مع أنفسهم ومع أهليهم، مما يطرح تساؤلاً هل تعلموا الغدر من البحر؟!، بل استخدموا البحر غطاء لغدرهم.

لنغوص في بعض قصص الغدر والقسوة والظلم بين البحارة والنوخذة وبين البحارة أنفسهم.

تتناول قصة (مركب بلا علم) (غدر الزوج بالزوجة) حيث تصف استقبال الأهالي والزوجات عند عودة المركب من رحلة الغوص وهن يحملن أطفالهن في مشهد درامي رائع يصف طقوس الاستقبال عند عودة المركب

” هذه ملة الحلول أحله ؟

فأجبنها بصوت واحد:

-حليه

وهذه السعفة أشويه؟

-اشويه

وهذه قطوة وليدي أغطسها

غطسيها        

ثم راحت تدعو: الله يجيب وليدي وهلي.

حينما عاد المركب منكسًا العلم وهو علامة موت أحد البحارة، مما يبث الرعب والخوف في قلب الزوجات حتى يصل المركب، ولا أعرف لماذا وصف مشاعر الزوجات ولم تشر القصة للأمهات والأخوات والأبناء والبنات.

كانت (أم معتوق) في مشهد درامي رائع تحمل طفلها وهي تبحث عن زوجها فمد لها النوخذة ثيابه، وهو مطأطئ الرأس.

بلا عان

نجح القاص في اقتناص اللحظة الإنسانية (لأم معتوق) بدقة لحظة تلقيها خبر وفاة زوجها في البحر.

 وضعت طفلها وركعت على الأرض حيث كانت تتحرك فيها مشاعر الزوجة المثلومة والأم التي لا تريد الانهيار وهي تحمل طفلها، وكأنها تعاهد زوجها برعاية ولدها من غدر البحر، ولذا في سياق القصة (تمنع الأم ولدها عندما كبر من دخول البحر والغوص حتى التحق بشركة النفط).

 أرى هذا التطور الدراماتيكي داخل النص أربك المشهد السردي  من حيث الزمان والمكان وتم اقحامه.

المتلقي كان يسير في خط درامي عن شعور الأم وكان النص سيسير في نفس الوتيرة السردية، لو انتقل مباشرة لأحداث القصة بعد تعهد (أم معتوق) بالوفاء لزوجها بتربية ولدها وحمايته من أهوال البحر لتكتشف أن زوجها غدر بها مستترًا بأهوال البحر وبالتواطؤ مع النوخذة بعد أن جاءها أحد البحارة بعد سنوات ليخبرها أن زوجها لم يمت ولكن تزوج عليها من (النيبار) وغدرا بها بالاتفاق، ولم تتطرق القصة لأسباب صحوة ضمير هذا البحار بعد هذه السنوات أو أنه حدث بينه وبين زوجها أو مع النوخذة خلاف وفضح السر للانتقام منهما !

صورة  أخرى من غدر البحارة بالنوخذة في قصة (خلاف فوق البوم) وصف في القصة طعام البحارة في الغوص  حيث كانوا يتناولون وجية خفيفة ثم ينامون، وصادفت الأقدار أن يختار مالك السفينة  نوخذة (نهم ) لمركبه، وعندما نفذ الحطب  طلب من  الطباخ أن يقع (ميل النفر) كي يصنع له طعامًا وبعدها أمره بخلع لوحٍ من المركب مما  أغضب البحارة وقدحت فكرة في رأس الطباخ فما كان منه إلا أحرق (البشتختة) وصنع الطعام للنوخذة، وما إن التهم الطعام و نام حتى بدأ بالصراخ من ألم في بطنه تجمع البحارة حوله لرفعه لكنه ظل يصيح من بطنه حتى مات

” نظر البحارة الى بعضهم البعض وجميعهم على وجهه ملامح الدهشة والحيرة، وبعد أن تأكدوا من موته، غسلوه وكفنوه ورموه في البحر، لتلتهمه الأسماك والحيتان)

وكأنهم اتفقوا للتخلص منه بهذه الطريقة مع الطباخ

صورة قاسية أخرى لغدر البحارة وهم على المركب تتلاطم بهم الأمواج ويفتح البحر فاهه كحوت قدى يبتلعهم في أي لحظة إلا أنه لم يمنعهم من الغدر وحبك المؤامرات على بعضهم

وفي قصة (الفخاخ الناعمة) صور من الغدر جسد ت جشع النواخذة بارتهان البحارة لهم طول العمر

(في عالم الغوص يظل البحار لا سيما (السيب والرضيف) ، مديونًا للنوخذة طول حياته، وحين يكبر أو يعجز عن العمل فعليه سداد الدين الذي تراكم عليه، واذا لم يستطع باع بيته أو ناب عنه ابنه أو أخوه….)

يرهن (النوخذة) أعمار البحارة بالديون، ولا يمكن الفكاك منه حتى بالعجز كما فعل مرزوق الذي انكسرت يده وتوجب أن يذهب ابنه للعمل مع النوخذة حتى جاء حمود الدقل بفكرة تنفذ البحارة وتفك قيودهم منه، وبدأوا بفضل مقترحه التخلص من ديونه.

“مرت أيام الغوص وشهوره خفيفة على البحارة البؤساء، حتى جاء ذلك اليوم الذي رأوا فيه حمود مذبوحًا وجثته تطفو تحت أحد المراكب الواقفة في النقعة”

تحكي قصة (غصة مظلوم) عن (بو يوسف) الذي اظلمت عليه الدنيا بسبب عدم قدرته عن  تسديد مديونيته للنوخذة خمسمائة روبية والأخير كان يطمع في بيته، وبالفعل تحت ضغط الفقر باع (بو يوسف)  بيته مقابل ثلاثمائة روبية فوق دينه وعاش غريبًا فيه كمستأجر حتى نفذت الثلاثمائة روبية التي أعطاها إياها النوخذة.

بعد أيام وجدوا (النوخذة) مذبوحًا فاتجهت أصابع الاتهام (لأبي يوسف) ولم يقنعهم نكرانه ويمينه أنه لم يقتله وها هو ينتظر الحكم عليه.

وتتضح أيضًا في قصة (ذات ليلة) الجعدي على ظهر السفينة، وهو يروي حادث (بو درياء) وهي من القصص العجائبية والخيالية التي كان ربما يتداولها البحارة أثناء (سوالفهم) في رحلات الغوص ويتحدث عن مشاهدته ووصفه

“واذا بي أشوف مخلوق غريب عجيب مخيف عيونه حمر مثل الجمر ضخم الجثة، ولون بشرته مثل لون الكحل، ظنيت نفسي أحلم! لكن لما قرب من أحد البحارة فتح فمه كنه فم (بربور) ساعتها فتحت عيني فشفته يقطم راس البحار المسكين”

وعندما حكى للبحارة والنوخذة القصة نظر له النوخذة  نظرة شك وريبة، وكانت علامات الشك تعلو وجوه البحارة.

إلى هنا ينتهي تناول قصص (الغدر) في المجموعة وإن وجدت بشكل غير مباشر في باقي قصص المجموعة

أما في قصة (سبع البحر) وهي القصة الأولى كان يصف بيت وشكل النوخذة حينما يذهب المحرر لإجراء  مقابلة معه، ولكن المؤلف كان حاضرًا حينما سأله عن البحر وأجاب (النوخذة) بلسان شاعر وليس بحار

“البحر يتألم ويكتئب ساعات ..البحر مثلنا يا ولدي ..احيانا يغضب من البحارة فيكون مثل الوحش الكاسر.. وأحيانا يحن ويعطف عليهم، فيهدهد مركبهم بهدوء وكأنه أم تهز منز رضيعها لينام ويرتاح……)

وتتناول القصة صورة من استغلال (السيوب) أهوال البحر في تحقيق مكاسب حينما تعرض المركب لهزة وطلب النوخذة تبرئة ذمته ورفض السيب ألا بدفع خمسمائة روبية 

في قصة (عاشق الشيخة) كان يصف حياة بحار بعد أن يختفه الكبر ويهده العمر ويحاول يسترجع أيام قوته وشبابه

(كان سيبا قويا، يقف على (بندول) السفينة، وبيده حبلان هما(الزبيل) و(الجدا). ولكن بعد أن وصل الستين (كان إذا خلع (فانيلته) البيضاء من أجل الاستحمام في (عين الحارة) أفصحت تفاصيل جسده المترهل عن عضلات كانت قوية في يوم من الأيام)

وهناك ثمة مقارنة تبين حياة الغواص الذي يواجه أهوال البحر وصعوباته، وبين الفلاح الذي يستوطن أرضه ويزرعها وهو مرتاح.

“بعد فترة، رأيته قد اشترى حمارة يركبها لتذهب به إلى أـصدقائه الذين لم يذهبوا إلى الغوص مثله، وإنما اكتفوا بالمكوث في الاحساء لحرث وزراعة نخيلها التي تسر الناظرين”

القصص الأخيرة (تساؤلات الغلاف، زاوية الذكريات، نصف ساعة، مطوع السفينة) كانت عرض لمعلوماته من خلال ما قرأه الكاتب ويتضح من المجموعة أنه قرأ عن حياة الغوص بعمق، لدرجة أصبحت المعلومات تفيض في قصصه، ويختلط فيها التجنيس بين القصة والمقال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com