آراء و تدوينات

الدلالات الموحية في (من خلف حاجز زجاجي)

قراءة – وفاء عمر بن صديق

تجولت بنا المجموعة القصصية (من خلف حاجز زجاجي) للكاتب المصري عادل جاد، في عوالم مختلفة، وأبحرت بنا على متن سفينة محملة بالكثير مما يقال، ثم رست بنا عند موانئ اكتنفها التأمل المتمثل في نظرة عيني الفتاة على الغلاف تلك النظرة المعبرة عما يشغل الفكر الإنساني من قضايا ومعاني وجودية وفلسفية.

  فقد استهل الكاتب مجموعته بنص(عيون) الذي يصور حالة عدم الأمان والعيش تحت وطأة الخوف الداخلي من الترصد الخارجي ص9: “أعرف أني مراقب”. وقصة (ثقب إبرة) التي صورت مشاعر الإنسان الذي يعيش حياة لا تشبهه، حياة أُرغم عليها، واضطر لإكمالها دون رجعة ص 14: “يتراءى له العالم غلالة متشحة بالسواد..”؛ مما يدفع المرء إلى التساؤل عن كينونته كما في نص (لماذا؟) ص15:”لماذا أكون قنديل زيت.. ولا لأكون فراشة ..”.

   ولقد استأثر الموت بعدد من القصص التي تخللها صراع الإنسان من أجل البقاء، ودفاعه عن ماهيته الوجودية كقصة (تتار) ص 43: “..من ممر صغير بين الجبل ثم نزوح النساء والأطفال والشيوخ.. “و(براويز) التي حصد فيها الموت أفراد العائلة ص46: “..صاروا صورًا معلقة على الجدار..”، والحصار في قصة (جسر) الذي يحصد الأرواح قبل الأجساد ص66:”..عيوننا شاخصة صوب الجسر..”، وقصة (كان صديقي) حيث تحول فيها الصديق إلى أداة تدمير للوطن ص11: “..وأصبح بندقية مصوبة للوطن.”.

  وكان للفقراء وللمهمشين نصيب في هذه المجموعة ففي قصة (يوم آخر) تجسيد للمعاناة اليومية التي يحكي تفاصيلها أحد منهم ص34: “.. في آخر الليل تدثرنا بأغطية بالية لتدفئنا من برد الشتاء العنيد..”. ودارت قصة (من خلف حاجز زجاجي) حول الصداقة التي نشأت بين (سعدية وصفاء) في جو محموم بالطبقية التي استعصى على (صفاء) فهمها وإدراكها ص39: “لا أفهم لماذا تصيح أمي في سعدية باستمرار.”.

  إن الكاتب طرح هذه الموضوعات المتنوعة وغيرها برمزية مدهشة ارتكزت عليها هذه القصص، والتي فتحت باب التأويل للقارئ، وجعلته مشاركًا في إكمال الصورة وإتمامها. كرمزية الغرباء في القصة التي تحمل نفس العنوان ص34: “..الغرباء يتزايدون عددًا وجلافة..”، ورمزية الناي والمنديل وذكرياتهما في (منديل زهري) ص24: “..ولا يفارق جيبه ناي قديم، ومنديل زهري.”، والشيطان واللاوعي في ( إغفاءة) ص32: “..يلازمني شيطاني في منامي.”، والعصافير والغربان في ( تبدل) ص36: “هاجرت العصافير.. واستوطنتها أسراب من الغربان”، والحمام والأحلام المتلاشية في قصة (شباك) ص28: “..يرفرف بجناحيه، ويحلق بعيدًا”، والفراشة التي تطير وفي انتظارها شبكة الصياد ص47، وأسراب الطيور المهاجرة في قصة (أمينة) ص51 والحاجز الزجاجي والفارق الطبقي في المجتمع ص39، ورموز التراث وما تحمله من موروث ثقافي في ( إلى شهرزاد) ص:13 و(الدرويش) ص73.

   إلى جانب الألوان ودلالاتها الموحية، وتوظيفها بأسلوب سردي شيق يخفي بين سطوره معانٍ عميقة يستشفها القارئ من السياق الذي وردت فيه. فهناك اللون الأبيض المُربك في (بياض) ص20، وكآبة الأسود في (الليل وأنا) ص17، وأنثوية الزهري في (منديل زهري) ص22، ورعب السواد في (تتار) ص43، ووجع الفقد في (وشاح أحمر) ص70، ورومانسية لون البنفسج في (عيناها) ص71.

  إضافة إلى المفارقة المدهشة التي قامت عليها بعض النصوص مثل:(عتمة) ص69: “افتح قلبي…. أطفئ الأنوار وأتركه غارقًا في العتمة”، و(كن صديقي) ذلك الإنسان الذي هجر الشعر والابتسامة، وامتهن القتل ص11، وهجرة العصافير ومقابلها استيطان الغربان في (تبدل) ص36.

إن هذه المجموعة نموذج جدير بالدراسة العميقة، والنقد، والتحليل لما تحويه من نصوص سردية تمثل فن القصة القصيرة جدًّا، الذي أصبح فن العصر بامتياز لمواءمته لسماته وخصائصه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com